بقلم : الاستاذ عبد الكريم الجعفري –زاكورة
ونحن نحتفل بيوم 5 اكتوبر كيوم عالمي للمدرس لابد من الوقوف عند لحظات عرفان وامتنان لأساتذة خضبوا بعطاءاتهم بصمات خالدة في مسيرتنا الدراسية.
اتذكر بكثير من الحسرة أستاذي في الفلسفة المرحوم علي السكاكي الحسيمي المحتد الزاكوري الروح، انسان قل ان يجود الزمان بأمثاله بداية تسعينات القرن الماضي ،حيث الاستاذية والعجرفة والتكبر المقيت هو سيد الموقف ،لأساتذة اخرين كانوا يومنون بان هيبتهم لا تكتمل الا بالنظرة العلوية للتلاميذ ،كيف لا والمغرب لم يخرج بعد من سنوات الانضباط في كل شيء.
سي علي او ابا علي كما كنا نناديه ،رحل ذات يوم من اقصى الشمال مدينة الحسيمة الى اقصى الجنوب الشرقي بزاكورة حيث حط الرحال بثانوية احمد بناصر كأستاذ لمادة الفلسفة السنة الثانية باك ،استطاع في ظرف اسابيع ان تكون له كاريزما من طرف تلاميذه وزملائه حيث اصبح مالئ الدنيا وشاغل الناس بتحليلاته الغير المألوفة لدى فئة المثقفين بزكورة .
كان رحمه الله قصير القامة مبهم الملامح أصلع الرأس له سحنة شهباء ،يتأبط دائما ملفا الى الثانوية مدمن على التدخين حد الثمالة ،ورغم وجهه المخيف الذي يذكرنا بجاره في الشمال الراحل محمد شكري صاحب رواية “الخبز الحافي”الدائعة الشبق ،فان ابا علي يبطن داخله انسانا متواضعا حد الصرامة ،صارما حد التواضع .
كان صارما كأستاذ حينما نختلف الى محاضراته حيث يبحر معنا في الابستمولوجيا والعلوم ،وعلى يديه كنا نسمع لأول مرة عن محمد سبيلا ومحمد وقيدي وحسين مروة والطيب التزيني والعروي وعبد الاله بلقزيز وغيرهم كثير ممن كانت تلفظهم الساحة الثقافية العالمية والعربية ،واحيانا يحدثنا عن ذلك المثقف المغربي الذي نظر في “البروسترايكا” قبل ان تظهر بالاتحاد السوفياتي.
ونظرا لثقافته الواسعة استطاع سي علي ان ينزل الدرس الفلسفي من برجه العاجي ،اذا طالما ارتبطت الفلسفة عند مجايلي آنذاك بالصعوبة ،لكن سي السكاكي حاول تبسيط الافكار لتكون في متناول تلاميذ حديثي العهد بالسؤال وبالدرس الفلسفي .لقد كان رحمه الله دكتورا في جبة أستاذ ،مناضلا يساريا غرامشيا يدافع عن مبادئه خلال الندوات المسائية برحاب ثانوية احمد بناصر التأهيلية ،ومشاداته الكلامية مع اساتذة اخرين لهم اتجاهات محافظة .
هو فيلسوف يعشق الوحدة والانزواء بعيدا عن الجلسات الفارغة ،واذكر انه كان يرتاد مقهى “تمبوكتو” احدى أقدم مقاهي زاكورة الثمانينات ،وكان يستدعينا ونحن تلاميذ لمجالسته لكن كنا نعتذر له بأدب جم، فالجلوس بالمقاهي لا يليق بالتلاميذ آنذاك.
فكما ارتبط محمد شكري بطنجة وخلدها في كتاباته الروائية عشق ابا علي زاكورة وعشق اهلها ، بل ان حتى بعد عودته الى الحسيمة لا زال ارتباطه بزاكورة وجدانيا ،ويحكي لي اخوه محمد الذي قضى معه سنوات بزاكورة خلال لقائي المفاجئ به بحي القامرة بالرباط اواخر التسعينيات ان سي علي كان يسأله دائما “هل سبق لك ان صادفت بالرباط احد سكان زاكورة؟
رحل السي علي الى الحسيمة وحط الرحال هناك وواصل عمله كأستاذ بثانوية الباديسي،وبعد تقاعده ببضعة اشهرلما يقارب ثلاثين سنة من العطاء المنقطع النظير، ودعنا الفيلسوف الى دار البقاء ،تاركا وراءه جيلا من التلاميذ الذين وان اختلفوا معه فكريا فانهم لن ينسوا عطاءاته وتضحياته ودفاعه المستميت عن المدرسة العمومية ،فامثاله وان تواروا كأجساد فافكارهم لا تموت ،فالرجال يرحلون لكن لا يموتون.