بقلم : عثمان عوي
يحكى أن أحد أعيان قبائل أيت حديدو تخلف عن الاستعراض الرسمي لاستقبال البعثة الزائرة لما كان يسمى بموسم الخطوبة باملشيل ، وبعد ذلك بحث عنه شيخ القبيلة وأعوانه قصد التوبيخ والتنكيل لهذا الموقف الساخط الصادر عنه.
دَلَّهُم أحد الشبان عن المكان فوجدوه ملتويا في سلهام صوفي قديم وجبهته قد تغير لونها بخيوط شمس شتنبر المتقلب المزاج، ودون تردد سأله الشيخ عن سبب الغياب، فأجاب مستنكرا كعادته بالسؤال دون أن يُعَدِّل طريقة أخذ حمامه الشمسي – سأل- ومن جاء لزيارتكم هذا الموسم؟
أجاب شيخ القبيلة : إنهما وزيرا السياحة والفلاحة.
فرد عليه : أما وزير السياحة فلا أعرفة ولا تربطني به أية علاقة، سياحتنا تبدأ عندما نسافر بحتا عن كلأ الماشية، سيارتنا حذاء مصنوع من بقايا اطارات سياراتهم ، وزادنا كِسرة خبز وماء وقليل من السكر والشاي، أما الفندق فكهوفنا آمنة رحبة وتُجيد حسن الاستقبال، وأما وزير الفلاحة فأعرفه جيدا وهو السحاب والمطر وقد غاب عنا لسنوات ، والشخص الذي أتى لتصريف مسرحيته المعلومة فلو أقام بينكم لسنوات وغاب المطر فلن يجد لكم حلا ولن ينجيكم من الجفاف وسخط الأرض وزوال نعمها.
فلماذا تريد أن أحضر لإستقبال من لا حل له وفاقد الشيء لا يعطيه، تبسم شيخ القبيلة ومعه الحضور ثم انصرفوا على خلاصة سنبث في أمرغيابك على كل حال.
أبدأ مقالتي بهذه القصة الواقعية وحال أمر الواحة يؤكد كلام الداهية النابغة الذي عرف معنى الوزارة والوزير ، حال البشر والشجر يؤكد أن مخطط الوزير حِبر على ورق، غياب المطر يجعل من المغرب الأخضر مغربا اصفرا رغم حضور الوزير وندواته ومصطلحاته الرنانة. تجود السماء فتُجيب الارض بجودها وكرمها وعطائها فيُحصيه الوزير ويتبناه ويوازيه مع المذكرات والأوراق متباهيا بإنجازاته مكررا أن لولا مخططاته ما أثمرت الشجرة ولا سال الضرع ولا زاد بريق الحقل والضيعة والحديقة، يغيب المطر وتشتد الأزمة فيغيب الوزير ولا يخرج الا ناذرا لربط الوضع بقدرة السماء وهذا ما عطى الله ، وربما أطال في الغيبيات و ما كسبته أيدي الناس لتهدئة الأوضاع وتبرير فشل المخططات.
إن الانسان منذ ظهوره يعرف كيف يتعامل مع الأرض ولا يحتاج الى الوزير أو التقني وإلى المخططات والبرامج لأن عطاء السماء وافر و توازن البيئة يضمن سيرا عاديا لكل الأحوال، فهذا اللاتوازن الطبيعي والبيئة المُدَمَّرة و توالي سنوات القحط والجفاف هو من يعطي المشروعية لحضور الوزير والتقني والمسؤول والخبير لإيجاد الحلول وقت الأزمات والفترات العصيبة ، فوقت الرخاء رخاء والتعامل مع الرخاء سهل المنال.
فهنا أطرح السؤال وكل أشجار الواحة تفقد أوراقها ومناشير قطع الأغصان اليابسة لا يهدأ هديرها كل يوم ،أما سرير الوادي فطريق الراجلين والدراجات والسيارات:
أين الوزير وأين الوزارة؟
أين البرامج والمخططات والندوات والمؤتمرات؟
ماذا قدمتم للواحة وقت الشدة كي لا نُسائِلكم عن وقت الرخاء؟
ماذا قدمت الجامعات والمعاهد والمؤسسات العليا والبحث العلمي لهذه الرقعة التي لا تتنفس وتكاد تختنق؟
هل نقبل بأمر الواقع وننتظر أمرا قد يأتي أو يغيب؟
ألم تُطور بعض الدول فلاحتها في مناطق الجفاف وأمَّنَت عيش الفلاح الصغير بالعلم والبحث والتجريب؟
أين الجماعات الترابية بكل مستوياتها وكل القطاعات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني؟
كم من فترة جفاف مرت وناقوس الخطر لم يحرك فينا ساكنا ولم نجتمع يوما لنقول ما العمل؟
متى ستسيقظ الضمائر لتقول كفى لممارسات سلبية دمرت بيئتنا وعطلت موازين الطبيعة والحياة فأنتجت مغربا أخضرا على الاوراق وآخر أصفر على الواقع المعاش؟
لقد حان الوقت لإنخراط الجميع في مسلسل التغير دون حقد أو تصفية حسابات للتفكير في سبل التعامل مع الماء وتحديد أي فلاحة نريد وأيها أصلح وأجدى لواحة داومت عليها سنوات الجفاف وهدر المياه وعشوائية التدبير فقل عطاؤها ونفر منها الجميع.
إنها مسألة حياة أو موت ، استقرار أو هجرة ورحيل، فالمسؤولية على رقابنا ولن يتغير الا ما غيرنا بأيدنا فلا تنتظروا غيركم ليحسن حالكم.
خميس دادس في 19 غشت 2020
ربما أعجبك أيضا
فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز
في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …