عبد الكريم الجعفري – أستاذ باحث – زاكورة
مقاربة قانونية
إن نجاح العملية التعليمية التعلمية داخل الفصل تستلزم مجموعة من الامور هي عبارة عن التزامات لطرفي التعاقد البيداغوجي .ويعتبر الهدوء والانضباط والتوفر على الكتاب المدرسي … من واجبات التلميذ كما جاء في قانون الفصل الدراسي، وأيضا في القانون الداخلي للمؤسسة التعليمية التي يطلع عليه التلاميذ في بداية السنة الدراسية . لكن ما ذا عسى الاستاذ يفعل عند الاخلال بهذا الواجب؟،فاخراج التلميذ هو الاجراء التي يلجأ اليه غالبية الاساتذة بعد استنفاد كل المساعي الحميدة في التوعية والنصح وو..ومع استفحال هذه الظاهرة ومايترتب عنها من مضاعفات تربوية وقانونية وتربوية يكتوي بنارها الاستاذ وحده ،حاولنا ان نساهم بهذه الورقة التوجيهية من اجل تسليط الاضواء على هذه الظاهرة لنكتشف مظاهرها وكيف يتعامل معها المجتمع المدرسي كل حسب موقعه .
1- النصوص التشريعية والتنظيمية المؤطرة للظاهرة
لا يختلف اثنان أن من حقوق التلميذ في المدرسة هو “الاحتفاظ به داخل القسم ” من أجل تعليمه وحمايته،ومخالفة هذه القاعدة تقتضي كتابة تقرير مفصل يرفعه الاستاذ الى ادارة المؤسسة.إذ “لايسمح لأي مدرس بحرمان تلامذته من الدرس ،الا عند احالته على ادارة المؤسسة بسبب قيامه بسلوك يؤدي إلى عرقلة السير الطبيعي للحصة ،وينجز تقريرا في الموضوع يسلم للإدارة التي تتخذ الاجراءات القانونية اعتمادا على الاجهزة المعدة لهذا الغرض” (1) .
بيد أن عدم احضار الكتاب المدرسي في نظر المدرسين هو عرقلة للسير العادي للدرس ،مما دفع الوزارة الوصية الى اصدار مذكرة في موضوع الكتب والادوات المدرسية المقررة بالتعليم الثانوي الاعدادي تدعو الى “اجتناب عدم قبول المتعلمين والمتعلمات بالقسم او حرمانهم من متابعة الحصة التعليمة – التعلمية ،بسبب عدم اقتناء الكتب واللوازم المدرسية ،وفي هذه الحالة ينبغي البحث عن الاسباب وايجاد التربوية المناسبة”(2).
2- خطورة إخراج التلاميذ من القسم
إن عدم إخبار الأستاذ للإدارة ،أثناء اخراج تلميذ من القسم هي مغامرة غير محسوبة المخاطر وعمل غير قانوني يقوم به بعض الاساتذة .فالفصل 85مكرر من قانون الالتزامات والعقود المغربي ينص على ما يلي: “يُسْأَلُ المعلمون وموظفو ادارة الشبيبة والرياضة عن الضرر الحاصل للأطفال والشبان خلال الوقت الذي يوجدون تحت مراقبتهم ،والخطأ او عدم الحيطة او الإهمال الذي يحتج به عليهم باعتباره السبب في حصول فعل ضار، ،يلزم المدعي إثباته وفقا للقواعد القانونية العامة “.فالتلميذ يكون تحت المسؤولية المدنية للمؤسسة التعليمية خلال فترة التدريس المحددة في استعمال الزمن ،بحيث اذا تعرض اثناء هذه المدة لأي حادث ،تكون ادارة المرفق مسؤولة عما حدث له ،وتتم إداريا وقضائيا مساءلة كل من كانت له مسؤولية رعاية التلميذ.
وهو الامر الذي وضحه كتيب “المرشد التضامني إذ يقول : “ان التلاميذ عندما يلجون المؤسسة التعليمية حسب استعمال الزمن الخاص بهم يصبحون تحت مسؤوليتها ،ولايمكن باي حال من الاحوال إخراجهم الى الشارع بدعوى غياب معلمهم .فالمؤسسة التعليمية مسؤولة قانونيا عن التلميذ منذ التحاقه بها طبقا لجدول حصصه ،وبالتالي يتحمل مسؤوليته من ثبت عليه الاخلال بواجبه وبالإجراءات القانونية ،وكل رفض من طرف معلم لاستقبال تلاميذ معلمهم يدخل تحت طائلة الاخلال بالواجب”.(3)
3- كرونولوجيا الاجراءات التأديبية للإدارة في حق التلاميذ المشاغبين .
أ – مفهوم التلميذ المشاغب
هو تلميذ مفعم بالطاقة التي يتم توجيهها في مسارات خاطئة وبشكل غير صحيح ،لهذا فهو عنصر خارج دائما على نظام المدرسة ،ضعيف القدرة على ضبط نفسه داخل الفصل ،كثير الحركة،مُدَلَّلٌ في اسرته احيانا ،يسعى لاثبات ذاته امام زملائه وخاصة امام الاناث في السلك للإعدادي والثانوي.
ب – من مرسوم التأديب إلى مذكرة البستنة
عرفت مسطرة التأديب تطورا على مستوى السلطة المخولة لها اتخاذ العقوبات التأديبية المدرسية.فقد منح مرسوم 11/2/1972 مدير المؤسسة سلطة التأديب ، إذ نصت المادة 11 منه على انه “يتحمل المدير المسؤولية التربوية والادارية والمالية للمؤسسة ويسهر على سير الدراسة ويحافظ على النظام والتأديب” . إلا ان المرسوم رقم 2.02.376 بمثابة النظام الاساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي الصادر بتاريخ 25/07/2002 قد قنن وأطر إصدار العقوبات التأديبية في حق التلاميذ المخالفين للقانون ،حيث منحت المادة 29 منه مجالس الاقسام بالمؤسسات ،صلاحية اقتراح قرارات تأديبية في حق التلاميذ غير المنضبطين ،استنادا لمقتضيات النظام الداخلي للمؤسسة ،اذ ظلت السمة الغالبة لهذه العقوبات هي مراوحتها بين الانذار والتوبيخ والطرد المؤقت ثم الطرد النهائي من المؤسسة .خاصة وان المرسوم لم يشر صراحة إلى أنواع العقوبات.
على ان التوقيف عن العمل سيتم الغاؤه بتاريخ 17/10/2014 اذا اصدرت الوزارة الوصية مذكرة رقم 14/867 حيث نصت على اعتماد عقوبات بديلة لعقوبة التوقيف المؤقت عن العمل، والمتمثلة في تقديم خدمات ذات نفع عام داخل المؤسسة وخارج اوقات الدراسة ،على أساس ان تحفظ كرامة التلميذ ولا تعرضه لأي تجريح والا تمس بسلامته الجسدية .كتنظيف ساحة ومرافق المؤسسة او انجاز اشغال البستنة ،اوالقيام بأشغال داخل المكتبة المدرسية ،او المساعدة في تحضير الانشطة الرياضية ،أو المساعدة في الاشغال المرتبطة بتقديم خدمات المطاعم والداخليات المدرسية .
4- قراءة في النصوص القانونية المؤطرة للظاهرة
جاء مرسوم 1972 في سياق وطني ،تميز بالمقاربة الامنية ، للمرفق العمومي حيث عرفت هذه المرحلة بسنوات الانضباط ،واعطيت لمدير سلطة تأديب التلميذ ، الذي منحها بدوره للمدرس ، كما أن الاسرة منحت كل الصلاحيات للأستاذ من اجل تأديب ابناءها لما فيه مصلحتهم.الا ان المرسوم رقم 2.02.376 الصادر بتاريخ 25/07/2002 قد قنن وأطر إصدار العقوبات التأديبية في حق التلاميذ المخالفين للقانون ،حيث منحت المادة 29 منه مجالس الاقسام بالمؤسسات صلاحية اقتراح قرارات تأديبية في حق التلاميذ غير المنضبطين،حيث تنتصب هذه المجالس كمحكمة تحث الاشراف الفعلي لرئيس المؤسسة بعد كتابة الاستاذ لتقرير مفصل في حق التلميذ الذي اخل بالقانون الداخلي للفصل الدراسي .
واستحضارا للمذكرة 238بشان المواظبة والسلوك فان التلميذ غير المنضبط “لا يعرض على مجلس الانضباط الا بعد صدور تقرير ثالث ضده خلال السنة الدراسية نفسها ،ويمكن بصفة استثنائية عرضه على مجلس القسم في حالة ارتكاب مخالفة جسيمة تستدعي هذا الاجراء .ويتم اتخاذ هذا القرار من طرف رئيس المؤسسة بعد اطلاعه على التقارير المنجزة ،وضمانا لحق الدفاع ، يحضر مداولات المجلس ممثل عن جمعية امهات واباء التلاميذ ،كما يتم الاستماع الى هذا الطفل بحضور ولي امره ويتم إبلاغ هذا الاخير بسلوك ابنه .كما يحضر الاستاذ المشتكي ويتم الاستماع اليه ثم ينسحب من المجلس .وبعد المداولات التي يجب ان تكون سرية يتم اقتراح تدابير في حق التلميذ ،ويعتبر المدير مسؤولا عن تنفيذ هذه القرارات “(4).والجدير بالذكر أن هذه التدابير غير واردة في المرسوم المذكور اعلاه ،واستنادا الى مقتضيات الانظمة الداخلية للمؤسسة التعليمية فقد ظلت هذه العقوبات تتراوح بين الانذار والتوبيخ والطرد المؤقت ثم الطرد النهائي من المؤسسة التعليمية .
و بتاريخ 17/10/2014 اصدرت الوزارة الوصية مذكرة رقم 14/867 و التي عرفت في الوسط التعليمي بمذكرة “البستنة”
حيث نصت على اعتماد عقوبات بديلة لعقوبة التوقيف المؤقت عن العمل ،لكن الغريب في المذكرة اعلاه هو ان هذه العقوبات يجب ان تحفظ كرامة التلميذ ولا تعرضه لأي تجريح والا تمس بسلامته الجسدية.وهنا من حقنا لفاعلين تربويين أن نتساءل: الا يعتبر تنظيف ساحة المؤسسة والقيام بأشغال البستنة والمساعدة في الاشغال المرتبطة بتقديم خدمات المطاعم والداخليات المدرسية حطا بكرامة تلميذ جاء للمؤسسة التعليمية من اجل تدريسه ؟ من يشرف على هذه العملية ، داخل المؤسسة وخارج اوقات الدراسة هل هو السيد المدير ؟ام الحارس العام ؟ ام المكلف بالأمن بالمؤسسة؟.هل مذكرة البستنة اعادت للأستاذ كرامته التي لطختها ايادي مشاغبين ؟
اعتقد انه ان الاوان لإعادة النظر في القوانين الداخلية التي تنظم العملية التربوية في ما يحفظ كرامة الجميع والتي اصبحت اليوم متقادمة ويجب الغاؤها .
فالتدقيق في الواجبات وتسمية الاسماء بمسمياتها وعدم ترك القاعدة القانونية عامة ومجردة كما تعلمناها في المدخل لدراسة القانون للدكتور الفصايلي، هو السبيل الوحيد لتعزيز الحقوق والابتعاد عن التأويلات الفجة للمادة القانونية .فعلى سبيل المثال لا الحصر .لماذا لا توزع المؤسسة التعلمية “كراسة” على كل تلميذ بداية كل موسم دراسي؟ تكون عبارة عن مجموعة من الواجبات كما نشهدها في بعض المعاهد والمدارس العليا ،عليه الالتزام بإحضارها في بداية الموسم الدراسي مثلا : كتفصيل في الهندام اللائق الذي عبارة عن سروال لونه كذا ووو.. .ايضا لماذا لايتم اجبار التلميذ على شراء الكتب المدرسية ،حتى يتم احضارها في كل حصة دراسية ويحافظ عليها من تمزيقها كما نشاهد اليوم في بعض المؤسسات التي تقوم بتوزيعها على تلاميذها ؟.لماذا لايتم منع حيازة الهاتف النقال داخل المؤسسة التعليمية لجميع التلاميذ والادرايين والاساتذة . باستثناء رئيس المؤسسة ؟؟؟.لماذا لايتم اعطاء حصانة للفاعل التربوي والاداري حماية للأخطاء المهنية التي يمكن ان يقع فيها؟.
أعتقد أن الاجابة عن الاسئلة اعلاه هو حل لمعضلة “إخراج التلميذ” من القسم التي هي عبارة عن جمرة حارقة تتقادفها الادارة والاستاذ ،في أفق إصدار مذكرات تعيد الاعتبار لهيبة المدرسة العمومية .
1- دليل الحياة المدرسية غشت 2008 ص 93.
2- المذكرة الوزارية رقم94 الصادرة بتاريخ 24يونيو 2009
3- كتيب المرشد التضامني الذي يصدره “التضامن الجامعي” ص 57 لسنة 2003/2004.
4-الدليل العملي لمهام الادارة التربوية .نور الدين أسكوكو ص 53.