عبد اللطيف أيت علي
تعرف الديمقراطية بأنها “حكم الشعب نفسه بنفسه” بمعنى أنها نظام حكم يشارك فيه المواطنون مباشرة في اقتراح و تطوير و استحداث القوانين في مختلف الميادين من أجل إدارة و تسيير و تقرير مصيرهم السياسي إلا أن اليات تحقيق الديمقراطية تختلف حيث نجد الديمقراطية المباشرة و التي يصوت فيها الشعب على القوانين و التشريعات و الديمقراطية التمثيلية التي ينوب فيها ” ممثلون” عن الشعب . و لإرساء الديمقراطية شيدت البرلمانات و شرعت الانتخابات لاختيار “النواب”.فماذا أفرزت انتخاباتنا ؟ و ماذا يضم برلماننا ؟
إطلالة من بعيد و بالعين المجردة تظهر أن برلماننا يضم “صفوة” من الإقطاعيين الرأسماليين ,يمينيين و يساريين و ليبراليين مكنتهم نشأتهم و مولدهم من انتزاع أصوات الناخبين الرثين . تارة بخطبهم الرنانة و أقوالهم الفتانة , و تارة بأموالهم المديدة و سطوتهم العتيدة . نتيجة لذلك أفرزت لنا انتخاباتنا برلمانا يضم كبار المنعشين العقاريين خال من البنائين و الكهربائيين و الرصاصين و ساكني الأكواخ و الصفيح , برلمانا يضم الاقطاعيين و مالكي مئات الهكتارات خال من المزارعين و “الكابرانات” و وارثي الحقول والفدادين و الأمتار المربعة , قبة تضم رؤساء الشركات و المديرين العامين خال من الأجراء و المياومين و الموظفين , برلمانا يضم الأساتذة الجامعيين خال من الطلبة والتلاميذ , برلمانا حشوه نقابيون بيروقراطيون مترهلون خال من البروليتاريا , برلمانا يضم الأطباء خال من المرضى و المعطوبين والمشلولين , برلمانا يعج بأرباب السفن و إكراميات الصيد خال من “الرياس ” و القصابين ….فهل أولئك يمثلون هؤلاء ؟ و هل أولئك يشرعون لفائدة هؤلاء ؟
عندما أقرت حكومة الواجهة البنكيرانية رفع الدعم عن المحروقات , تقدمت بالقانون تحت ذريعة حرمان الأغنياء من الدعم على اعتبار أنهم الأكثر استفادة منه مدغدغة الشعب بنيتها في صرف الدعم مباشرة للمستحقين , إلا أن الأيام أثبتت العكس و فضحت نواياهم الخبيثة حيث لم يستفد من ذاك القانون إلا المالك الوحيد لشركات المحروقات إذ رغم انخفاض سعر البترول عالميا استمر سعر المحروقات في الارتفاع بتعاقب منتصف و بداية كل شهر و بالتالي تضخمت ارباح شركات الموزع الوحيد و في المقابل اكتوى المواطن المفقر بهذا القرار مرتين :الأولى في سعر الوقود و تذاكر السفر و الثانية في غلاء الأسعار . و هكذا أصبح دعم المفقرين أثرا بعد عين !!!!؟؟؟
نفس السيناريو عاشه العمال , موظفين و أجراء , جراء تمرير قانون التقاعد بصيغته الثلاثية المشؤومة بدعوى حماية المعاشات من إفلاس” لا يد و لا رجل” للموظفين فيه لتتم سرقتهم مرارا نهارا جهارا : مرة أعمارهم و مرة جيوبهم و مرة مدخراتهم . لكن عندما تعلق الأمر بإصلاح تقاعد البرلمانيين , و في خضم النقاش الحاد الدائر حول مشروعيته , استبسل و بكل ” بسالة ” أولئك الممثلون على الشعب في التشبث بهذا الريع و أصروا إصرارا على إنقاذه من أموال شعب مثقل بالهموم و الأعباء و لعل أثقل عبء جاثم على صدره أولئك “الممثلون ” برواتبهم الضخمة و امتيازاتهم الفخمة .
حاصل القول أن ديمقراطيتنا ليست إلا وهما و كذبة ما دامت لا تنتج إلا برلمانا حشوه سلطة تشريعية (” ممثلون” أغنياء) و سلطة تنفيذية (وزراء أثرياء) ,الأولى تشرع خدمة و حماية لمصالحها دون حياء , و الثانية سياف يهوي بالأحكام دون رحمة و لا شفقة …بجملة واحدة : ديمقراطيتنا هي طحن و قتل الشعب بأيادي ” ممثلي” الشعب .