الثلاثاء , يونيو 3 2025

التحولات الزراعية بضيعات القيادات التقليدية الإقطاعية بالأطلس الكبير الشرقي – ساقية «تاقات» ومزرعتها نموذجا

الحسن ايت الفقيه

سلف نشر هذه الدراسة بالعدد السادس من جريدة مجلة المزارع المغربي الذي صدر في شهر نونبر من العام 1999، ولأن مضمون المقالة لا يزال يحافظ على راهنيته، لأن التحول بالأوساط القبلية المغلقة يسير سير السلاحف، أحببت إعادة النظر في الدراسة، خصوصا وأنا أباشر البحث حول الماء بجبال الأطلس كبير الشرقي.

ليس من الغرابة في شيء، ونحن في الألفية الثالثة، وجود أرض زراعية يفتقر ملاكوها إلى وثائق، أو يجهلون مساحتها أو حدودها جهلا مطلقا. إنه في معظم القرى الزراعية النائية لا يزال المزارعون يتعاملون بالعرف الشفوي في البيع والشراء وتوزيع الإرث حيث تحل الثقة محل العقود والالتزامات المكتوبة سواء كانت إشهادات عدلية أو تحفيظات عقارية، أو عقود ذات إمضاءات مصححة من لدن مكتب التصديق على الوثائق التابع للجماعات المحلية، ذلك أن لكل بنية زراعية أعرافها ومنطقها الخاص بها، في توزيع الماء وقياس المساحة، وتحديد موعد البذر والجني والقيام بالأعمال الجماعية التعاونية، أن كانت منظمة عرفيا، وبالتداول، على شاكلة ما يسمى «تويزا»، أو «حد الصايم»، أو «أدوال»، المعروفة في عدد من المناطق. لكن الغرابة، كل الغرابة، تكمن حينما تلفى أملاك الدولة الفلاحية بلا حدود واضحة، ومساحة معلومة، بل يكتنف الغموض أحيانا أسلوب كرائها واستغلالها. وبالفعل فأرض الدولة الفلاحية مجهولة المعالم ومعقدة وضعيتها، بالأشرطة الزراعية بجبال الأطلس الكبير الشرقي، وأخص ضيعات «تاقات»، و«تالغولت»، و«أيت بني» يحيى.

وبما أن وضعية الأرض تكاد تكون متشابهة في القرى الثلاث، فإن الوقوف عند نموذج واحد يكفي لتقديم فكرة موجزة حول واحدة من العقبات التي تعيق التنمية الزراعية بجبال الأطلس الكبير الشرقي، وفي البيئة الملائمة لغراسة شجرة التفاح. ونعتقد أن مزرعة «تاقات» خير نموذج يسهل التعامل معه لوفرة المعلومات.

تقع «تاقات» على الضفة اليمنى لواد النزالة، وتمتد غربا إلى شريط الطريق الرئيسية رقم 13، بل تمتد غربا، وجنوب الغرب، لتشمل أرض «تاسامرت»، وأم «الروو»، حسب الرواية الشفوية، والتي تشرف على مزرعة «تيفيكرة» وهي تجمع قروي، كان يضم حسب إحصاء سنة 1928 حوالي 17 أسرة. وتنبغي الإشارة إلى أن الجزء الوقع غرب الطريق الرئيسية رقم 13 أهمل زرعها وغرسها، لا لشيء سوى أن عمال شركة «لاسامير» لم ينتبهوا إلى النفق الذي يسلك الماء أسفل شريط الطريق، يوم جرى توسيع الطريق التي كانت تسمى، من قبل، الطريق الوطنية رقم 21، فحصل حرمان تلك الأرض من الماء منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي. ومعنى ذلك أن جفاف جزء مهم من هذه الأرض أمر حتمي بفعل اللامبالاة.

إن لكل أرض «تاقات» امتدادا طوليا مرافقا لواد النزالة الذي يمتد في اتجاه شمالي جنوب إلى أن يتصل بالرافد الرئيسي لواد زيز، واد سيدي حمزة، بشمال فج تيليشت. وتمتد هذه الأرض من فج «أيت خرو» شمالا إلى قرية أموكر، بكاف معطشة، جنوبا. وليتضح موقع هذه الأرض جيدا، لا بد من تحديدها هيدرولوجيا وطوبوغرافيا وإداريا. تقع هذه الأرض جنوب شرق جبل «أيت واجوط»، الذي لا يبعد كثيرا عن جبل العياشي الحد الشمالي لسلسلة جبال الأطلس الكبير الشرقي. إنها جزء من أرض حوض زيز. وتعد أرض «تاقات» الحد الجنوبي لجماعة النزالة بإقليم ميدلت. تشكل «تاقات»، بما هي تجمع سكني عمراني امتدادا لقرية «أيت العباس»، ولكلتا القريتين مقبرة واحدة، ومسجد واحد، وكلتا القريتين تحمل اسم أيت العباس، ولا تظهر هوية قرية «تاقات»، إلا في ساقيتها التي تمتد على الضفة اليمنى لواد النزالة كما سلفت إليه الإشارة.

كانت هذه الأملاك فيما مضى ملكا للزاوية العياشية المعروفة حاليا بزاوية سيدي حمزة. ولا نعلم علم اليقين طبيعة هذه الأرض قبل أن تحوزها زاوية سيدي حمزة التي تأسست سنة 1635. ولا نعلم، كيف حازت الزاوية هذه الأرض، هل بالشراء أم الهبة؟

إذا أخذنا بعين الاعتبار الموقع الإستراتيجي للمنطقة، أن كانت بجوار الطريق التجارية سجلماسة فاس، بين فجي «أيت خرو» شمالا، وفج «تيغانيمين» جنوبا، وهو الفج المشرف على مدينة «كرس لوين»، من ناحية جنوبه الشرقي. وإذا استحضرنا أن كلا الفجين، فضلا عن كونهما ممرات طبيعية يسلكها الذهب المجلوب من السودان الغربي في اتجاه فاس، في رحلة الرواح، وتسلكها البضائع نحو سجلماسة في رحلة الغدو، فوق أن كلا غير بعيد عن فج «تيزي ن تلغمت» الإستراتيجي في النشاط التجاري، نجزم أنه من المستحيل أن يمكث الإنسان بعيدا لممارسة النشاط الزراعة بموضع «تاقات». صحيح أن الدول المتعاقبة على حكم المغرب تكلف من ينقطع لحراسة المذكورة، مقابل واجب المرور «الزطاطة»، لكن الحرس، وهو عينه جيش القبائل طالما يسكنون بعيدا، عن المررات المذكورة. وإذا استثنينا التجمع العمراني النزالة المكون من ثلاث قرى من قبيلة أيت يزدك، أيت امساعد، وبويسروان، وأيت بالحسن، والمنقطعة وحدها لضمان المرور، في وقت متأخر، نلفى أن البقاء هناك بدون دعم عصبي قبلي قوين بات ضربا من المحال. ونضيف أنه كلما ضعفت الدولة المركزية ينتعش قطاع الطرق، وتسود فوضى عارمة بمحيط فج «تيزي ن تلغمت». ومن هذا المنطلق، يمكن تغليب الظن والقول بتحفظ، إن المؤسسة الدينية وحدها هي التي دشنت عهد النشاط الزراعي بموضع «تاقات» ضمانا لوفرة مدخر زراعي يدعم ركن الزاوية، إطعام الطعام على حبه. وبعبارة أخرى، لا يمكن الجزم بأن سنة 1634، التي صادفت تأسيس الزاوية العياشية بداية عملية لاستقرار المزارع مستثمرا ضيعات «تاقات» الخصبة، لأن وضع الزاوية نفسها غير مستقر في السنوات الأولى من تأسيسها، وكلنا يعرف أن علاقتها بالزاوية الدلائية، إذ أخذت عنها براءة التأسيس، جرتها لتخوض صراعا مريرا مع الدولة العلوية الناشئة، انتهى بتدمير الزاوية الدلائية ونفي العياشيين إلى باب الفتوح بفاس. ويجب الإقرار بالطبع أن القرن الثامن عشر بداية الاستغلال الزراعي العملي لضيعات «تاقات» بالضفة اليمنى لواد النزالة.

ويظلف الغموض الذي يكتنف الهوية المجالية يتعمق إذا استحضرنا أن الزوايا لا تفتأ تعتمد على الأقليات العرقية في خدمة الأرض، وحسب الرواية الشفوية فإن الطائفة المستقرة حاليا بأرض «تاقات» يعود قدومها إلى القرن التاسع عشر، واستمر تعمير الوسط إلى حدود منتصف القرن العشرين. فمن المزارعين من أتى من حوض غريس «تاديغوست»، ومنهم من وفد إلى المنطقة من «تاغيا»، «الخنك»، بكاف معطشة، شمال الرشيدية، وفئة ثالثة قادها البحث عن لقمة العيش لتشتغل في منجم «بوطبول»، وبعد توقف استخراج المعدن فضلت استغلال الأرض الزراعية بالاستئجار. وفي تلك الأرض بناية تحمل اسم قصيرة الزاوية تدل بأن الزاوية ودت إنشاء مجمع سكني للعمال الزراعينن بالمنطقة.

ونظرا لقلة التساقطات فإن السقي وحده أسلوب معتمد في الزراعة التقليدية. لذلك، لسنا في حاجة إلى التذكير أن ساقية «تاقات» تتغذى من سد تقليدي «أوكوك»، «Ugug»، ولكننا مدعوون لإضافة أن ذلك السد شيد على واد النزالة بموضع «توقميرت» التي أثارت إعجاب شارل دو فوكو يوم مر بها في شهر مايو من سنة 1884 ، وتمتد الساقية على الضفة اليمنى لواد النزالة، وحصل إصلاحها من لدن المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لتافيلالت، ليسهل تقسيم الماء بين ساقيتين، ساقية «تاقات»، وساقية قرية «أيت العباس». ولأن المساحة المخصصة للزراعة، أو بعبارة أخرى، الوهد من الأرض يسمح انحدارها الطوبوغرافي أن تغمرها الساقية، فإن صبيب الماء المقسم بن الضفة اليمنى واليسرى غير كافٍ، في الحاضر، لتغطية ذلك الامتداد الواسع من الوهد، تربته كلسية حمراء. ولملاءمة قلة الماء قلة الصبيب وحاجات الضيعات الزراعية، فكر المزارعون، هناك، إنشاء ماجلٍ، حصل إصلاحه في التسعينيات من القرن الماضي، ليجمع الماء آناء الليل، ويدعم الصبيب أطراف النهار. ولسنا في حاجة إلى التذكير، فوق ذلك،أن مياه الري تقاس بالمدة الزمانية ولكل مزارع ببساط «تاقات» نصيبه، فهناك من نصيبه يومان، وهناك من نصيبه يوم واحد ونصف اليوم، والدورة الزمانية التي يمكن للتربة الكلسية الحمراء أن تطيقها 11 يوما. ولا بد من إضافة وقع التناقض الخارجي الذي حملته الحماية الفرنسية يوم نزولها المنطقة ابتداء من سنة 1922. لقد انتزعت فرنسا من المزارعين حصة 6 ساعات (ربع يوم) لري بستانها، وهو البستان التابع للأشغال العمومية، وجرى بيع الساعات الباقية من اليوم 18 ساعة وتقلصت الدورة الزمانية للري إلى 10 أيام.وابتداء من سنة 1973 انتقل جزء من أرض ساقية «تاقات» إلى حيازة الدولة، أعني مصلحة الأملاك المخزنية. ذلك أن كل القواد (جمع قائد) التقليديين الذين لم ينخرطوا إيجابا ضد إقدام الإقامة العامة بالمغرب على نفي الملك محمد الخامس، جرى تصفية أرضهم، وضمن هؤلاء  القواد التقليديين الإقطاعيين القائد الحمزاوي الذي علا شأنه بالمنطقة.

ساد بمزرعة ساقية «تاقات»، ابتداء من سنة 1973 ملكيتان، ملكية الأملاك المخزنية، وملكية الورثة الذين تربطهم القرابة الدموية بالقائد التقليدي الحمزاوي. لما حاز المزارعون بالشراء جزءا من نصيب الورثة، لم تهتد إدارة الأملاك المخزنية إلى تحديد نصيبها ومعلمته. لذلك نظمت الإدارة المذكورة علاقة كرائية بينها وبين المزارعين على أرض لم تحدد في بساط  الوهد بالمرة. ويمثل الجدول أسفله واجب الكرء بالدرهم والذي دفعه مزارع يحوز في الضيعة 12 ساعة من الماء، اطلعنا على ما توافر لديه من وثائق.

السنوات واجب الكراء بالدرهم
1976 80
1978 90
1982 120
1993 180

كانت عقدة الكراء من قبل تتجدد كل خمس سنوات شمسية.  وكان واجب الكراء يدفع إلى مصلحة الضرائب، بناء على استدعاء توجه للمكتري. وابتداء من سنة 1995 توقف تجديد العقدة، وربما صاحبه توقف دفع واجب الكراء.

عقدة الكراء السنوات المدة
العقدة الأولى 1973- 1975 02
العقدة الثانية 1975- 1980 05
العقدة الثالثة 1980- 1985 05
العقدة الرابعة 1985-1990 05
العقدة الخامسة 1990-1995 05

إن المشكل لا يكمن في طبيعة الحيازة، وإنما في غموضها. والمتأمل في وضع تلك الضيعات يقف عند الملاحظات التالية:

–        كل الذين يستغلون أرض ساقية «تاقات» الموروثة عن الزاوية العياشية عن طريق الشراء أو الكراء الذي يدفع واجبه لمصلحة الأملاك المخزنية يجهلون موضع نصيبهم وحدوده داخل الضيعة. إنهم يتصرفو في المجال انطلاقا من حصتهم من الماء. وعلى سبيل المثال، نلفى الفلاح الذي يكسب يومين من الماء، يملك خمس الضيعة، لأن دورة الماء تضاهي عشرة أيام. وبما أن حصة الأملاك المخزنية من الماء مجملة في ثلاثة أيام ونصف اليوم، فإن نصيبها من أرض ساقية «تاقات» 35 في المئة، أيضا، وبالطبع، فنصيب القائد الحمزاوي الذي حازه المزارعون بالشراء 35 في المئة أيضا، وللورثة الآخرين  30 في المئة.

–        بما أن المزارعين يدرون حصتهم من الضيعة انطلاقا من حصة الماء، وبما أن كمية الماء أقل من أن تلبي حاجة ضيعات ساقية «تاقات» كلها، فإن المزارعين يحرثون أينما شاؤوا وبالتوافق فيما بينهم بدون منازع، لكن في أذهانهم الاستغلال المؤقت والمرحلي للأرض مادامت مصلحة الأملاك المخزنية لم تهتد إلى تحديد نصيبها من الميراث في البساط الممكن ريه بالمتوافر من الماء، وذلك ما ينتظره المزارعون على أحر من الجمر.

–        تجاوز العشوائية في الاستغلال الزراعي ضرورة حضارية، خصوصا وأن الدولة تمثل طرفا مشاركا ورئيسيا في هذا الوضع، فحبت أن تبقى عائقا أمام رغبة المزارعين وطموحهم، إذ هم يطمحون إلى إيجاد حل لمشكل الماء. لقد أصبح من الحماقة المغامرة في حفر بئر في قطعة أرضية لم تتأكد حيازتها بعد. ومما لا شك فيه أن حفر الآبار سيفتح مجالا لانطلاقة بستنة التفاح والزراعة التسويقية.

–        يستنتج من السياق وضع المزارع المستأجر للأرض لا يختلف في شيء عن وضع المشتري من حيث التخبط في العشوائية، لكنه يختلف معه من حيث كونه مهددا بخطر السمسرة، فمن الممكن أن يزاح جانبا، ويتجرد من أرض كان أجداده يتصرفون فيها منذ القرن التاسع عشر.

–        وبما أن المزارعين المكترين لا يملكون أرضا زراعية بالضفة اليمنى لواد النزالة، بما هي ملك للخواص، وبما أن بقاءهم بالمنطقة متوقف على استغلال الأرض التابعة للأملاك المخزنية، فإن ظل يستحوذ عليهم دوما، لا سيما وأن علاقتهم بمصلحة الأملاك المخزنية غامضة.

–        نخلص من هذا كله لنقول إن طمأنة المزارعين المكترين أمر ضروري خصوصا وأنهم قدموا خدمات غير منكورة في إصلاح الأرض وتسويتها وإعدادها للزراعة ومد قنوات الري داخلها، وفوق ذلك فرغبتهم، مؤكدة في تطوير الزراعة وقطع أشواط في البستنة وتربية النحل إسوة بجيرانهم، ومما لا شك فيه أن طمأنتهم تكمن في استلامهم لهذه الأرض لا سيما، وأن الخوصصة مفيدة في هذا الصدد.

إن التعامل مع المزارعين بمنطق الخوصصة خير حل لهذه المعضلة مادامت ستحررهم من قيود الغموض والعشوائية وتدفع عنهم شبح التشرد.

وإذا كنا نعيش في ظرف يستدعي تكثيف الجهود للخروج من الأزمة المجتمعية، فينبغي أن يبدأ عملنا أولا من الزراعة، وذلك برفع القيود على المزارعين ومساعدتهم ماديا وتقنيا لاستغلال الأرض أحسن الاستغلال من أجل تلبية حاجيات السكان الغذائية خصوصا وأن وتيرة النمو الديموغرافي مرتفعة

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز

في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *