عثمان عوي
تعتبر المطارح غير المراقبة او عملية ابعاد النفايات من التجمعات السكنية من الحلول المعتمدة من طرف القائمين على الشأن المحلي والمدبرين لأمور النظافة على جنبات وادي دادس وامكون، اذ تقوم الشاحنات بالتجميع و”الرمي ” في أماكن تعتبر بعدية عن أنظار المواطن الذي تجده مرتاحا لعملية الابعاد والتخلص من النفايات.
تأتي المرحلة الثانية والأخيرة للتعامل مع الحمولات اليومية في حرقها بالطرق العادية البسيطة والمتمثلة في ايقاد النار و تركها لتقوم بالواجب، وبعد هذا يتفاعل الكيمياء و البيولوجيا بنسق محكم لإنتاج سموم تصرفها مياه الامطار الى الفرشة المائية او مباشرة الى مجرى الوادي الرئيسي، كما أن المخلفات التي تنجو من الاحتراق تأخد مسارات عديدة، تنقلها الرياح في كل الأماكن لتجمعها سيول الفيضانات في أزقة وشوارع المدن و القرى أو في رحلة الشتاء الى سد ورزازات مصدر تزويد المدينة بالماء الشروب و ليس الصالح للشرب.
هكذا يصير مصير النفايات الصلبة لتنضاف الى خليط مياه الفرشة المائية والمياه العديمة الناتجة عن مخلفات الحمامات والمطابخ والمرمية في حفر لم يفصلها عن مستوى جريان المياه الجوفية الى مترين أو أقل. كل هذه المؤثرات تنضاف اليها مياه مخلفات معصرات الزيتون والمرجان المعد من أخطر الملوثات المهددة للبيئة، فتجد هذه التفاعلات تعمل في صمت لتجعل الحميلة البيئية الواحية في موضع الخطر.
لم يكن مقالي هذا لتشخيص الوضع المرير ورقما اخر لمقالات عديدة في الموضوع ولكن كمدخل للتذكير بما حاولت اثارته غير مرة وفي مناسبات عديدة.
لست متخصصا ولا باحثا أكاديميا في الاسلاك العليا بالبحث العلمي، ولكن موقعي كفاعل مدني مهتم بأمور البيئة وحامل للإجازة العلمية في الهيدرولوجيا – هذا الموقع – يفرض على أن أدق ناقوس الخطر معلنا عن كارثة بيئية تتربص بواحات الجنوب الشرقي الذي أعيش فيه، بدأت أسمع أنين هذا المجال البيئي الهش وسهل الانكسار، أحس بالأيادي البشرية وهي تنشر أغصانا تحملها على الأشجار، أرى الجنس البشري يزرع المرض ويطالب بالدواء، عقول تعرف وتنكر، تتحدث كثيرا ولا تعمل …
لا أريد أن أحسب من أهل السفسطة والنقد الفارغ والكلام من أجل الكلام لأنني قدمت اقتراحات ومبادرات قابلة للإنجاز وحلول عملية ليعمل عليها الجميع كل من موقعه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه:
سبق وأن قلت أن لاشيء يمكن بيعه و الترميز به لهذا المجال الا الطبيعة و البيئة السليمة، لا يجب أن نغتر بمعادننا و فلاحتنا و سياحتنا في ظل تدهور البيئة و وئد ما تبقى من الواحة، لا اقتصاد لنا و لا أملاك الا هذه الطبيعة أن سلمت من أيادي الغدر و الدمار.
تحدثت في مواطن كثيرة عن مشروع مندمج يعمل على تصفية المياه العديمة من أعالي تلمي و أعالي إغيل نومكون الى حدود جماعة ايت سدرات السهل الغربية ، مشروع بمحطات متعددة تصفى مياهها وتستغل لتشجير جناب الاودية و الحد من الانجرافات التي تغمر حقول الفلاحين الصغار بالرمال و قعر سد ورزازات بالأوحال كما الشأن بسد أوسكيس المغمور بالرمال.
لم يكن عملي هذا اقتراحا سلبيا وفارغا ، و لا مزايدة سياسة بل بحثت عن ضمانات إجرائية لإخراجه الى أرض الواقع، فقد كاتبت أصدقاء بمنظمة فرنسية دفعتهم افكرة المشروع و أهدافه النبيلة الى زيارة المغرب و عقد لقاء مع عامل إقليم تنغير (سنة 2014 ) عرض فيه المشروع وأبان أعضاء المنظمة عن استعدادهم للانخراط الفعلي في المشروع وتعبئة موارد مالية مهمة لتنفيذه، فما كان الا انني فهمت من المسؤول الإقليمي أنني أعيش مع أصدقائي في عالم المثل و ربما أصبنا بجنون إذ كرر مرات عديدة ” إوا إكون خير غير واش عارف أ أستاذ أش كاتكول ، مشروع الواد الحار من تلمي لايت احيى ، واش نيت عارف كلفة المشروع ؟ ” لم يسئم رئيس المنظمة من إعادة ” تعم نعلم ما نقول و لا ينقصنا من جهتكم الا الإرادة و انخراط رؤساء الجماعات الترابية ” ، وقد أثير خلال النقاش ما المطلوب من الجماعات ؟ فكان رد الفاعل الفرنسي :
- تنظيم لقاء و تحرير محضر ابداء الاهتمام و الانخراط في المشروع
- التنظيم في هيئة جماعية للجماعات
- تعيين لجنة القيادة المشتركة ( تجمع هيئة الجماعات ، العمالة ، الوزارات المعنية ، المجتمع المدني … )
- التزام الجماعات بالدراسة.
فرصة ضاعت ولن تعود ، فرص أخرى ستضيع إن التزمنا الصمت وقبلنا بالوضع، لبيس العيب أن نناقش الأمر و يفتح فيه الحوار ، مشكل يهدد كل الكائنات الحية و نتغاضى عنه كأن شيء لم يقع ، فهل فتح هذا الملف يحتمل التسويف و الانتظار ؟
لا أنكر مجهودات بلديتي بومالن دادس و قلعة امكونة في هذا المجال لكن هل تم حل مشكل سكان البلديتين بهذين المشروعين المنعزلين؟ بالطبع لا ، لأن الثلوث سار و تأثير الأعالي على السفوح قائم ، فلا حل الا بمشروع مندمج متكامل كتجربة أولى ليتم تعميمه مستقبلا على كل الواحات الأخرى.
أما فيما يخص المطارح فلا حل الا بالمشاريع البيجماعية وبناء مطرح واحد بأسس علمية و تقنيات حديثة لاستغلال النفايات الصلبة كمورد للطاقة و خلق فرص الشغل بإحدى الجماعات الترابية القادرة على تبني المشروع.
أتمنى أن يجد المقال أذانا صاغية من الفاعلين المدنيين والسياسيين للجلوس سويا ووضع هذا الملف الشائك على طاولة الحوار.