حكيم بالمداحي ..لمتاح بين التخوين والعدمية
شئ ما يسمي نفسه «الشباب الملكي» وقف قبل أيام يكيل السب والشتم للأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب، و يصف كل الذين خرجوا في مسيرة الدار البيضاء يوم الأحد 8 يوليوز للمطالبة بإطلاق سراح معتقلي الحركات الاحتجاجية، بالخونة.
هذا الشئ كان يردد كلاما يفهم منه أن مسيرة الدار البيضاء موجهة ضد الملك، في ربط غبي يصعب فهم مرامي من وجههم تلك الوجهة، والهدف من ذلك..
وبغض النظر عما جاء على لسان «المحتجين» من كلام قد يدخل تحت طائلة المساءلة القانونية، إلا أن البعض في هذا البلد يحاول خلط الأوراق بطريقة غبية لا علاقة لها لا بالنقاش ولا بحرية التعبير ولا بأي شكل من الأشكال الحضارية أو الإنسانية حتى..
موضوع مسيرة الدار البيضاء يحمل تعبيرا عن رأي له مقوماته المنطقية، وهو التنبيه إلى ضرورة التعامل مع الحركات الاحتجاجية بأسلوب آخر غير الهاجس الأمني أو المقاربة الزجرية. وهذا رأي له ما يقابله من كون القانون يجب أن يسري على الجميع وأن الخروج عن سلمية الاحتجاج يتطلب بالضرورة المتابعة القانونية للفاعلين، وإلا سندخل في مجال الفوضى والتسيب..
بين الرأيين تفاصيل كثيرة تتطلب نقاشا عموميا موسعا وعميقا، بل قد تستدعي تعاقدات جديدة.
النقاش العمومي هو السبيل الأسلم لتدبير الخلاف، وحرية التعبير هي قاعدة النقاش العمومي الذي قد يتخذ عدة أشكال منها الاحتجاج السلمي الحضاري في الشارع. وطبعا هذا الأمر يسري على مسيرة الدار البيضاء ولا يسري على احتجاج المسمى «شباب ملكي» لعدة أسباب تنطلق من التسمية أولا، ومن المضمون ثانيا. فالتعبير عن الرأي يحتاج أولا إلى رأي، لا على رد فعل يعمل على خلط الأوراق وتمييع القضايا، وقد يؤسس لسلوك عدواني..
ليس هناك في المغرب اليوم مجال لشئ اسمه «شباب ملكي» وشباب غير ملكي، فالملكية في المغرب نظام حكم له مقوماته ولا نزاع حوله.. وأما الاصلاح المنشود فهو مطلب سياسي يجري خلفه البلد لتحقيق التنمية والأمن والاستقرار ورفاهية المواطنين. وهذه معركة ينخرط فيها الجميع، بل لقد كان خطاب الملك لتاسع مارس 2011 ثورة حقيقة في سبيل هذا الاصلاح.. طبعا هناك عدة تفاصيل حالت دون تطبيق مضامين الخطاب الملكي كاملة، ولو أن دستور 2011 تضمن إيجابيات كثيرة وجدت مرة أخرى عرقلة في «التنزيل»..
ليس هناك عاقل يمكنه أن ينفي وجود مشاكل في المغرب. مشاكل فيها الاقتصادي والاجتماعي، لكن أيضا السياسي. ولا محالة أن الجوانب الثلاثة، اقتصادي/اجتماعي/ ساسي، مترابطة بشكل بنيوي. كما أن هناك قلق حقيقي يتم التعبير عنه بشكل أو بآخر وبشتى الوسائل… غير أن الارتقاء لا يتم إلا بتحقيق وسائل وأدوات التطور.. وأدوات تدبير الخلافات المجتمعية والسياسية لن تتم إلا في إطار منظومة من القيم. هذه القيم التي تشكل أعمدة الممارسة الديموقراطية..
الخلافات، والاختلافات حتى، لا يمكن تدبيرها بالتعصب والتخوين وخلط الأوراق، بقدر ما تتطلب حدا معينا من الوعي بالمسؤولية.. ومستوى معين من التراكمات..
هناك إحساس اليوم في المغرب بأن الانتظارية ما تزال سيدة الموقف، وأن الانتقال الديموقراطي يواجه عقبات حقيقية، وأن التنمية تواجه أحيطة صلبة. المشاكل والتحديات التي يواجهها المغرب لا يمكن حلها بالتخوين أو العدمية. البلد في حاجة إلى عقلاء وإلى جدية وعزيمة ووعي وليس إلى تفاهات وممارسات عبثية هي أقرب من لعب الصغار في جهة، ولعب بالنار في الجهة الأخرى.. وليس من سبيل سوى أن يتحمل الجميع مسؤوليته. الدولة مطالبة بأن تكون دولة، ليس في الزجر فقط ولكن أيضا في تحقيق المطلوب منها لخدمة المواطنين. والمجتمع السياسي والمدني مطالب بأن يكون في مستوى اللحظة بكل الوسائل المتاحة له.. وبين هذا وذاك تشكل العدمية و التخوين نشازا يؤسس لتفاهة لا يمكن إلا أن تكون عائقا إضافيا لما يتخبط فيه البلد أصلا…