لم يكن عبد الاله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وهو في طريقه إلى مدينة ميدلت لاستقباله من طرف الملك محمد السادس بتاريخ 03 يناير 2012، وتعيينه رسميا رئيسا للحكومة، يعلم أن تشكيلته الحكومية المكونة من 4 أحزاب، المختلفة بل والمتضاربة التوجهات، ستكون أول تحد بالنسبة له، بحيث عرفت الحكومة حوالي 5 أزمات داخلية في أقل من 5 سنوات.
بدأت بانسحاب حزب الاستقلال، الحزب الثاني في الحكومة، بعدما رفض بنكيران التفاعل مع مذكرة رفعها الحزب، مرورا بجدل صندوق تنمية العالم القروي، ثم صراع بنكيران مع بلمختار في موضوع فرنسة التعليم، وانتهاءا بأزمة الأساتذة المتدربين.
انسحاب حزب الاستقلال
كانت أول هزة تتعرض لها حكومة بنكيران، هي قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال، بتاريخ 11 ماي 2013، والقاضي بالانسحاب من الائتلاف الحكومي الذي يقوده عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية.
وجاء قرار انسحاب الاستقلالييّن من الحكومة التي شاركوا ضمنها لسنة ونصف بتصويت عبّر فيه 870 من أعضاء المجلس الوطني، البالغ عددهم 976 فردا، عن موافقتهم تجاه الخطوة.
وقال الحزب في بيان صدر عنه، بعد يومين من قرار المجلس الوطني، إن وزراء حزب الاستقلال سيقدمون “استقالتهم الجماعية” لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران على أن يقدمها هذا الأخير، للملك محمد السادس وفق ما ينص دستور 2011.
وبينما أكد الحزب أنه منح ما يكفي من الوقت لرئيس الحكومة “لتدارك انسحاب الحزب على أغلبيته الحكومية”، لافتا إلى أنه تحمل “كل الاستفزازات التي صدرت عن رئيس الحكومة والتي تعكس قلة الخبرة وانعدام الإحساس بالمسؤولية”.
وعزا الحزب خروجه من الحكومة بما سماه “أساليب الابتزاز التي أدمنها رئيس الحكومة، وإرادة الهيمنة على الإدارة من خلال تعيين الموالين لحزب رئيس الحكومة وجماعته الدعوية”.
صندوق 50 مليار
لم تكد تمر أزمة خروج حزب الاستقلال من الحكومة، حتى وجد بنكيران نفسه في قلب أزمة أخرى، بسبب صندوق تنمية العالم القروي، أو ما عرف إعلاميا بصندوق 50 مليار، حيث اتهم رئيس الحكومة وزير الفلاحة والصيد البحري، بأنه لم يبلغه بمضمون مادة مشروع قانون المالية لسنة 2016، تنص على أن الآمر بالصرف في هذا الصندوق سيكون وزير الفلاحة والصيد البحري وليس رئيس الحكومة.
اتهام لم يقبله وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، مما دفع به لطرح الموضوع في مجلس الحكومة الذي انعقد بتاريخ يوم الخميس 22 أكتوبر 2015، إثارة أخنوش للموضوع في المجلس الحكومي، دفع ببنكيران إلى التعبير عن رفضه نقل صلاحياته، لوزير داخل الحكومة دون استشارة رئيس الحكومة، المعني الفعلي بالإشراف على الميزانية العامة وفق الدستور والقانون التنظيمي للمالية.
وعقب ذلك، أصدر عزيز أخنوش بيانا توضيحيا، ندد فيه بغياب الثقة داخل الحكومة وأنه لا يمكن أن يشتغل داخل حكومة تغيب عنها أجواء الثقة.
بلمختار وفرنسة التعليم
لم يمر على أزمة صندوق الـ 50 مليار سوى أشهر، حتى ظهرت قضية أخرى بالغة الحساسية، ألا وهي “فرنسة المواد العلمية” في بعض المستويات الدراسية، من خلال مذكرة أصدرها وزير التربية الوطنية والتكوين المهني رشيد بلمختار.
بنكيران لم يكضم غيضه من مذكرة الوزير، فشن على بلمختار هجوما من تحت قبة البرلمان، خلال جلسة شهرية، حيث قال بنكيران إن “التوجه لفرنسة التعليم سيشعل النار”، مشددا على أن الاختيارات المتعلقة بالتوجه العام في التعليم “يقدرها رئيس الحكومة”، مؤكدا في الوقت ذاته، أنه راسل بلمختار لإلغاء المذكرة الخاصة بتدريس بعض المواد العلمية باللغة الفرنسية في بعض أسلاك التعليم.
بنكيران لم يقبل أن يصدر بلمختار مذكرة دون الإستشارة معه، ولذلك وجه كلامه لبلمختار، الذي كان حاضرا في الجلسة البرلمانية، بالقول: “نهار جلالة الملك اختار رئيس الحكومة لم يختر بلمختار، اختار عبد الإله بنكيران، رغم أنه يعرفه قبل مني”.
هجوم مزوار
رغم فترات التعايش القصيرة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، إلا أن خرجة مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، التي هاجم فيها بنكيران بشكل صريح أثبتت أن شيئا ما ليس على ما يرام في علاقة الحزبين الحليفين.
مزوار، وفي كلمة له أمام المجلس الوطني للحزب بالصخيرات، شن هجوما عنيفا على رئيس الحكومة وحزب العدالة والتنمية، حيث قال إنه اندهش “لما آل إليه النقاش السياسي من تدني، ومن أساليب غير حضارية وغير مألوفة، حيث ظهرت إرادة التحكم في قرارنا الحزبي المستقل، وكانت هناك إرادة لطمسنا، ووصفنا بالخيانة رغم أن الجهة التي هاجمتنا سبق أن أصدرت بيانا يدعو لتوسيع التحالفات، في الوقت الذي كانت المفاوضات بيننا مستمرة”.
وأكد مزوار أنه فوجئ “كما فوجئ السياسيون بخطاب عنيف ولا أخلاقي وغير حضاري يستهدفنا، خطاب بلغ درجة التعرض للحياة الخاصة للأفراد، فضلا عن وصفنا بالخيانة”.
أزمة الأساتذة المتدربين
تفاعلات هذه الأزمة بدأت حين أقدم وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد على تقديم رسالة جوابية لفريقي حزبي الأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي بمجلس النواب، حيث أكد فيها بوسعيد أن هناك إمكانية لتوظيف الأساتذة المتدربين دفعة واحدة عبر إصدار مرسوم.
مراسلة بوسعيد لم يقبلها بنكيران، حيث أصدر بلاغا رسميا يعبر فيه عن استغرابه “لمضمون هذه المراسلة وتوقيتها وتأكيده على أن هذه المراسلة هي مبادرة فردية تمت بدون التشاور مع رئيس الحكومة ومخالفة للحل الذي اقترحته الحكومة”، مؤكدا أنه “ليست هناك حاجة لاستصدار أي مرسوم أو قرار يحدد شروط وكيفيات إجراء مباراة توظيف خريجي المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين برسم الموسم الدراسي 2016-2017، كما جاء في المراسلة، باعتبار أن المرسومين المتعلقين بهذه الفئة يؤطر بشكل واضح هذه الشروط والكيفيات”.
رد حزب التجمع الوطني للأحرار الذي ينتمي إليه الوزير بوسعيد لم يتأخر كثيرا، حيث أصدر الحزب يومه الاثنين 4 أبريل 2016، بلاغا توضيحيا، أكد فيه أن “جواب بوسعيد تقني وليس سياسي”، معتبرا أن رد فعل رئيس الحكومة “زوبعة في فنجان ويخفي وراءه صراعا سياسيا بطعم انتخابوي”.
تقرير للصحفي لحسن سكور بموقع كشك الإخباري