الزيارة السريعة والخاطفة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للجزائر، تحمل رسائل عديدة للداخل الجزائري وللخارج ، فالجزائر التي تعيش منذ اكثر من ثلاث سنوات حالة من الجمود السياسي بفعل مرض الرئيس وشيخوخة الطبقة السياسية وتبادلها لاتهامات بالفساد واستغلال مقدرات البلاد وقد صدرت كتب كثيرة خلال السنتين الماضيتين تبينان بالأرقام والأدلة اغتناء مسؤولين جزائريين بالاستفادة من صفقات الدولة من الأسلحة والمعدات الطبية المستوردة وحصل المسؤولون الجزائريون على شقق وفنادق بعدد من الدول الاوروبية وخاصة بفرنسا كعمولات ورشاوى . الوضع الجزائري بكل اختصار يؤشر على احتقان اجتماعي وازمة اقتصادية قابلة للانفجار في أي وقت، لا تبعث ظروفها السياسية على الاطمئنان اطلاقا وربما ستعيش الجزائر في السنوات القليلة المقبلة قلاقل اجتماعية وسياسية خطيرة تعيد الى الاذهان المرحلة السوداء التي عاشتها الجزائر قبل جهود الوئام المدني التي نجح الرئيس الجزائري الحالي في احلاله وايقاف المجازر الدموية التي عرفتها الجزائر، من هذه الزاوية يمكن اعتبار زيارة فرانسوا هولاند للجزائر بمثابة زيارة استطلاعية للحالة السياسية الداخلية للجزائر مع استمرار حكمها من طرف رئيس عاجز عن اداء مهامه وحالة من التنافس المميت بين اقطاب الحكم في الجزائر حول خلافة بوتفليقة خصوصا بين قطبي المخابرات برئاسة توفيق مدين وجناح سعيد بوتفليقة .
الرئيس فرانسوا هولاند اكد في ندوته الصحفية بان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في صحة جيدة تمكنه من القيام بمهامه ، وهذا التصريح في حد ذاته غير بريء ولا داعي له اطلاقا مادامت صحة الرؤساء لا تثار مطلقا في الندوات الصحفية في البلدان الاخرى الا نادرا وهذا تعبير عن التخوف الفرنسي الحقيقي من مرض الرئيس الجزائري الذي لم يعد سرا لدى الجزائريين.الرئيس فرانسوا هولاند يخطط لاشك لمرحلة ما بعد رحيل الرجل المريض عن حكم الجزائر . فما الداعي اصلا ليقول فرانسوا هولاند هذا التصريح عن صحة الرئيس اذا لم تكن حالة بوتفليقة الصحية مثار جدال ونقاش وتخوف ؟
الزيارة التي قام بها فرانسوا هولاند للجزائر يمكن ان تكون لها رسائل الى الداخل الجزائري مفادها ان فرنسا تدعم جناح بوتفليقة في اي انتقال للحكم باعتبار ان هذا الجناح يوفر للمستعمر القديم كل المتطلبات الامنية والاقتصادية والسياسية وان فرنسا ستكون سدا منيعا امام اي تحول سياسي في الجزائر لا يراعي مصالحها الاستراتيجية والدليل على ذلك الثناء الكبير الذي اسبغه فرانسوا هولاند على نظيره الجزائري ، وهذا الثناء قد يحمل شفرة سرية معناها :فرنسا مع بوتفليقة ومع جناح بوتفليقة اي فرنسا مع التوريث السياسي للحكم ومع ديمومة مصالحها .
الرسالة الثانية وهي الاهم في نظري وموجهة للداخل اساسا وهي بالتأكيد نتيجة منطقية للرسالة الاولى وهي ان فرنسا لن تقف محايدة في الصراع السياسي الداخلي الجزائري اي انها ستدعم من تراه صالحا لها رغم ضعف شعبيته او فساده او متهم بارتكاب جرائم ضد الشعب الجزائري ، فرنسا بهذه الرسالة تحتفظ بصورتها الاستعمارية السابقة في تعاملها مع المستعمرات السابقة والتي لا تسمح ولن تسمح باي طرف داخلي يعاديها بان يصل الى الحكم بدون ضوء اخضر منها ولن تقبل لاي طرف دولي او اقليمي ربط علاقات مع اطراف داخلية جزائرية دون التنسيق معها على الاقل.
الرسائل الخارجية للزيارة يمكن تلخيصها في امرين اساسيين :
-الرئيس فرانسوا هولاند يسعى في زيارته الى الجزائر استمالة اصوات الجالية الجزائرية الكبيرة المقيمة بفرنسا في صراعه الانتخابي الرئاسي العام المقبل وبالتالي فهو يوجه ضربة سياسية استباقية لمنافسيه السياسيين داخل الحزب وخارجه ، ومن المنتظر تدعيما لهذا الخط الانتخابي ان يزور كل من المغرب وتونس في الشهور المقبلة، رغم ان قلبا المغرب وتونس ربما يميلان اكثر الى ساركوزي او الى يمين الوسط الفرنسي اكثر من الاشتراكيين.
– الرئيس فرانسوا هولاند بزيارته هاته فهو يراهن على الجزائر اكثر من الدول الاخرى للقيام بمعارك بالوكالة في قضايا استراتيجية مهمة بالنسبة للشعب الفرنسي وخصوصا في الصراع المالي الازوادي وفي دحر التطرف والارهاب والذي يعول الرئيس الفرنسي كثيرا على الاستخبارات الجزائرية التي راكمت تجارب كبيرة في اختراق الجماعات الارهابية بل واستخدامها في التصفيات السياسية كما وقع في العشرية الدموية بالجزائر حيث تتهم الاستخبارات الجزائرية من قبل المنظمات الدولية باختراق الجماعات الارهابية واستثمارها لقتل العديد من المعارضين السياسيين والفنانين وغيرهم واتهام الجماعات المسلحة بذلك.
ولا يجب على كل حال ان نغفل التخوف الفرنسي دولة ورئيسا من بداية التغلغل الاقتصادي الروسي والصيني في شرايين الاقتصاد الجزائري ، وهذه الشراكة الجزائرية مع روسيا والصين باتت تقض مضجع العديد من الشركات الفرنسية التي ترى في الجزائر منطقة نفوذ استراتيجية وتاريخية لا تقبل التنازل ولو الجزئي عنها ، وللتدليل على تزايد قوة النفوذ الروسي مثلا بالجزائر يكفي ان نعرف بان الجزائر اكبر مستورد للسلاح الروسي في افريقيا وبلغ حجم الصفقات العسكرية المبرمة بين البلدين خلال عام 2014 وحده 2.7 مليار دولار فيما تقلصت مشتريات الجزائر في نفس السنة من السلاح الفرنسي اذ لم يتجاوز سنة 2014 1.6 مليار دولار.
انتقدت المعارضة الجزائرية بشدة التدخل الفرنسي في تعطيل المسلسل الديموقراطي الجزائري واعتبرت ان فرنسا لا تريد للجزائر ان تنتقل من مرحلة حكم جنرالات فرنسا الذين عاثوا في الارض فسادا وجورا ونهبا الى مرحلة الديموقراطية الحقيقية ، وفرنسا بتغاضيها عن انتهاكات حقوق الانسان المرتكبة من طرف جنرالات الجزائر وحصانتها للأموال المنهوبة من الجزائر والمكدسة في البنوك والعقارات الفرنسية انما تزيد في الاحتقان السياسي الداخلي وتضيف للجماعات المتطرفة الارهابية المئات من الشباب اليائس من العدالة الدولية ومن تواطئ العالم مع الانظمة الديكتاتورية في الجزائر وفي دول اخرى . ان السياسة الفرنسية كما قال بحق الباحث الفرنسي XAVIER PANON في كتابه الاخير حول كواليس الديبلوماسية الفرنسية في عهد ساركوزي وهولاند ، سياسة مبنية على حفظ التوازنات الفرنسية ومصالحها الاستراتيجية دون مراعاة مطالب الشعوب ونضالاتها المريرة من اجل الكرامة والحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.
انغير بوبكر
باحث في العلاقات الدولية
المنسق الوطني للعصبة الأمازيغية لحقوق الانسان