عزيز السكري،
الماء هو الحياة، والحياة حق يكفله الدستور المغربي ويحميه القانون من خلال الفصل 20 من الدستور المغربي في بابه الثاني “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل الإنسان، ويحمي القانون هذا الحق“. فأين نحن اليوم من التنزيل الديمقراطي والنزيه للدستور وفصوله؟ فبعد ما يناهز السبع سنوات على سَنِّه استبشر فيه المغاربة خيرا أن يكون سندا قانونيا للضعيف فيهم ضد جميع أشكال التمييز والاستبداد والحكرة التي ما فتئوا يصيحون ضدها بملأ حناجرهم كلما أتاحت الفرصة ذلك، وعلى النقيض، يجد المغاربة نفسهم اليوم أمام واقع مرير يستشري فيه الفساد والاستبداد والريع بجميع أشكاله مما يوقفنا لوهلة بين نقائض، واقعية العيش المحتَّم في بلد لا يوفر أبسط الحاجيات وحلم بواقع، أو افتراض واقع، ينتقل فيه الانسان من مرتبة الرعية الى مرتبة المواطنة الحقة وما يترتب عليها من حقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وبيئية وجب على الدولة احترامها وتوفيرها بشرط الجودة، وواجبات يتحتم على المواطن الالتزام بها. فإذا أُعْتُبِرَت رفاهية العنصر البشري والنفاذ المنصف للتنمية المستدامة وجودة الخدمات من بين المعايير التي تبوء أي دولة مصاف الدول الديمقراطية او السائرة في طريق النمو فأين نحن اليوم من هذه التصنيفات؟ وما السبيل الى واقع يعيش فيه المغربي كريما؟
وبإطلالة سريعة على الوضع الاجتماعي في زاكورة بلغة علم الاقتصاد والرياضيات والعلوم الرقمية عموما وبعيدا عن طوباوية السياسة والسياسيين نجد بأن المنطقة تضم ما يقارب 307306 نسمة موزعة على 25 جماعة محلية في مجملها قروية ولا تمتلك أي مصادر دخل مبتشرة إلا إذا استثنينا بلدية زاكور وأكدز. ويعرف الإقليم حسب الاحصائيات الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط معدل فقر إجمالي بحوالي27,8% ، وراء كل من فكيك أزبلال وتاونات وتعرف أربع جماعات (تغبالت، تفتشنا، ايت ولال وافلندرا) أعلى معدلات الفقر جهويا ووطنيا بحيث تتراوح معدلاته فيها بين 32% الى 36.6%. وبهذا المرور السريع على الأرقام المتاحة نستنتج أن الإقليم يعد من بين افقر الأقاليم في المملكة بجانب فكيك، تنغير شيشاوة، وجرادة، وتاوريرت. وبالرغم من ذلك فهذه الارقام والمؤشرات تبقى نسبية والهدف منها أساسا هو تحفيز المسؤولين الوطنيين والجهويين والمحليين لبذل جهد مضاعف لسد العجز في مجموعة من المؤشرات والظواهر الاجتماعية وتعبئة مختلف الفاعلين من أجل النهوض بأحوال البسطاء. لكن التحدي اليوم في ظل الجهوية الموسعة يتجاوز هاته المؤشرات كأرقام، ويتعلق أساسا بتوفير الضروريات – الماء الصالح للشرب نموذجا- وبجودة السياسات الاجتماعية بما فيها التعليم والصحة ومحاربة الفقر، وبالتقليص من الفوارق الاجتماعية والترابية فيما يخص الولوج للخدمات وجودتها. فانخفاض معدل الفقر أو ارتفاع عدد الأطفال المسجلين في السلك الابتدائي … ليس معيارا لقياس المستوى الحقيقي لمعيشة السكان، ذلك أن هناك مؤشرات أخرى تتعلق بجودة أو سوء التغذية، الوصول الى الحاجيات الاساسية، خاصة منها الصحية والمدرسية. إضافة إلى أن المعدل العام للفقر لايعكس الفوارق الاجتماعية بين مختلف مناطق البلاد. فرغم النوايا والجهود المبذولة، لا زالت هناك مناطق وجماعات ترابية خاصة منها القروية تعيش تحت عتبة الفقر وتعاني من سوء التغذية ومن صعوبة الولوج للخدمات الأساسية.
وفي زاكورة تعد مسألة توفير الماء الصالح للشرب من بين الاشكاليات التي تأرق بال العديد من الفاعلين المحليين. فحينما تجتمع قساوة الطبيعة وبرغماتية ولاانسانية الرأسماليين “صحاب شكارة” ونقص القوانين المؤطرة وعدم استراتيجية وفاعلية البرامج الحكومية ولاوعي غالبية المواطنين، طبيعي أن نصل الى ما وصلت اليه الاوضاع في زاكورة اليوم من استنزاف للفرشة المائية الباطنية جراء الهكتارات التي لا تحصى من مزارع الدلاح التي جعلت حيوات جل السكان على كف عفريت بسبب ندرة المياه سواء الصالحة للشرب أو المخصصة للسقي رغم ان لا فرق بينهما اليوم. ورغم أن زراعة الدلاح، حسب تحقيق أجرته لجمعية المغربية لصحافة التحقيق بدعم من منظمة “ايمس” في 2013، لا تستهلك ما تستسهلكه زراعات أخرى فمثلا التمر يستهلك 1126L/1KG و الحناء 455L/1KG والقمح 195L/1KG في مقابل الدلاح الذي يستهلك 95L/1kg ويتكون وزنه من 92% من الماء. فهكتار واحد من الدلاح يستهلك 6000 متر مكعب من الماء باستعمال تقنية الري بالتنقيط وتتضاعف الكمية عندما يتعلق الأمر بالسقي بالغمر. لكن الإشكالية المطروحة في زراعته هي نهم “صحاب شكارا” الذين تتجاوز ارباحهم ما يقارب 14 مليون للهكتار الواحد ويستغلون مساحات شاسعة تفوق 15000 هكتار كلها أراضي سلالية.
زاكورة تكالبت عليها الطبيعة من جهة والسياسات الاجتماعية والفلاحية للدولة من جهة ثانية. فالمنطقة معروفة بقلة التساقطات وبضعف المخزون المائي، فالتساقطات المطرية في هذه الرقعة الجغرافية لا تتعدى 60 ميلمتر في السنة ومعدل التبخر يفوق 3000 ملمتر في السنة بحكم موقعها الجيولوجي. وتراجع مستوى المياه في أعماق الابار الى اكثر من 200 متر حتى أصبحت الابار جافة. في الوقت الذي كان مخزون بئر واحد يكفي سقي ما يقارب 1 هكتار بشكل يومي اصبحنا اليوم مع ارتفاع عدد الابار وقلة المياه الجوفية مما جعل جل السكان في تراب الاقليم يعانون عدم وفرة المياه وملوحتها إن وجدت بحيث تبلغ نسبة الملوحة بين 4 و 10 غرام ف اللتر بسبب تماس المياه مع الطبقات الجبسية، او طول المسافات من أجل شراءها رغم أن غالبية الساكنة تعيش الفقر. بينما ساهمت السياسات الفلاحية في تفاقم مشكل المياه أولا ببناء سد المنصور الذهبي والذي ساهم بشكل مباشر في تنمية منطقة على حساب أخرى وفي عطش الواحات السبع لوادي درعة. وثانيا، بتشجيع المصالح الفلاحية للفلاحين خاصة في تجهيز بقعهم بتغطية التكاليف 100% للمساحات أقل من 5 هكتارات و 80% لاكثر من 5 هكتارات وتوزيع رخص الحفر بدون تتبع بحيث وصل الحفر أكثر من 300 متر بينما الرخصة مسموح فيه بـ 120 متر.
يجب أن تكون السياسات الاجتماعية في صلب عملية صنع السياسات الشمولية والطويلة المدى فهي العمود الفقري للخطة الوطنية من اجل معالجة النتائج الاجتماعية المترتبة عن افلاس الدولة في معالجة مجموعة من الملفات الاجتماعية كالفقر والبطالة والتعليم والصحة…الخ. وعلى النقيض، نجدها في المغرب مجرد واجهات لخطابات سياسية وبرامج ومشاريع «Cocotte-minute» ذات رؤية ضيقة وجزئية ترى التنمية من جانب واحد وتعتمد في شموليتها على تدخلات قطاعية ظرفية وعمودية لتلبية الحاجات الملحة التي يطالب بها المواطنون وتنعدم فيها معايير التأثير على النمو الاقتصادي.
عموما، لابد لاي دولة تصبو التقدم والازدهار الاصطفاف بجانب الحاجيات البسيطة للمواطن. وفي المجتمعات التواقة الى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم في أي رقعة على وجه البسيطة لابد لها من توفر عناصر أساسية من خدمات مجانية وسياسات عمومية كفيلة بتحقيق التماسك الاجتماعي وبضمان الاستقرار السياسي والامن المجتمعي من بينها تعليم وتطبيب مجاني وذو جودة للجميع وسكن وشغل يضمنان كرامة الفرد ورهينة أيضا بتقليص الفوارق الاجتماعية من خلال مداخل أساسية منها القضاء على الريع والشفافية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.