الجمعة , مايو 9 2025
أخبار عاجلة

ساكنة تاكونيت بزاكورة : “نحن لا نرث الماء من أسلافنا بل نستعيره من أبنائنا “

مقال معد من طرف تلاميذ بالسلك الثانوي

“استنزاف مهول للفرشة المائية يؤرق بال الساكنة و يهدد مستقبل الأجيال الصاعدة”

كثيرون هم من ضلوا طريق العودة إلى الأصل و التعايش مع الوضع، ذاهبون في طريق الركوض وراء قطرات الماء، هاربون من شبح ندرته. فمن وراء هذه الحقيقة المرعبة؟
هذا السؤال يجيب عنه الواقع المعيش في واحدة من بين المناطق التي جعلت لنفسها حيزا من واحة كتاوة الواقعة في الجنوب الشرقي للبلاد، إنها تاكونيت، المعروفة برمالها الشامخة التي استهوت الآلاف من السياح . وهذا لا يخفي الهجرات الجماعية لسكان المنطقة رغم أن 17500 نسمة تمسكت بها تحت عنوان الغيرة على أرض الآباء و الأجداد، إلا أن هذه الساكنة تعاني من ندرة المياه ،هذه الظاهرة التي شغلت السياسيين و الحقوقيين و هيئات المجتمع المدني و المهتمين بالشأن البيئي في ظل شيوع ثقافة الاستهلاك و غياب ثقافة الاستغلال و المحافظة.

رثاء الإنسان، أنين الطبيعة:
انتظار بعد انتظار، وللأسف تاكونيت الجوهرة الصامتة المتعطشة لقطرات الماء، لم تجُد عليها السماء إلا بالقليل، و المرعب في الأمر أن أقصى قيمة بلغتها التساقطات خلال العشر سنوات الأخيرة هي 142mm ،وهذا ينعكس سلبا على فرشتها المائية. و كمنفذ لنجاة أرواح النبات من الموت المحتوم، جاء سد المنصور الذهبي ليغطي خصاصا قاتلا في التساقطات رغم إطلاقه المحدود و الذي لا يتجاوز خمس مرات في السنة، وكما جاء على لسان السيد مدير مركز الاستثمار الفلاحي رقم605 بتاكونيت: ” إطلاق هذه المياه لايتم بانتظام بل حسب طلبات الفلاحين”. و رغم حمولته التي تقدر بحوالي 460 مليون m3 فنصيبنا يختلف باختلاف غنى الموسم بالتساقطات ، فنأخذ على سبيل المثال موسم 2014/2015 الذي شهد تساقطات غزيرة ترتب عنها امتلاء سد المنصور الذهبي بأكمله، مما أسفر عن إطلاق المياه لمدة شهر ، أما في مواسم أخرى كموسم2017 فباتت الأراضي تستغيث ربها، والإنسان يستخيره ماء، ونخص بالذكر عملية إطلاق الماء لشهر نونبر في نفس الموسم المقدرة بـ30 مليون m3،حيث استغرقت أسبوعا لوصولها إلى سد أزغار، و بصبيب منخفض و لطول المسافة بين ورزازات و تاكونيت؛ منطقة تواجد هذا السد التحويلي و ينتج عن هذا تبخر كمية من الماء وترشيح أخرى، علاوة على ذلك هذه الكميات لا تستفيد منها هذه المنطقة فحسب، بل جل المناطق المطلة على طول وادي درعة، فالبعض استعملها للزراعة و لسد عطشه يستعملها البعض الآخر. وبتبذير من الإنسان زاد الوضع خطورة مما حتم على الفلاح البحث عن مهنة تعوضه عن الأولى. فإذا بالتساؤلات تصب كالتساقطات التي باتت أيدي العباد ترجوها صباح مساء ؛فحواها ما مصير الأجيال المقبلة؟

التصحر من بين العواقب:
لكشف الستار ، و معرفة ما يقع على أرض الواقع كانت الوجهة منطقة فلاحية تنتمي إلى الجماعة الترابية لتاكونيت، إنها “قصر نصراط” التي تسحر الزوار برمالها الذهبية، و التي ساهمت في تنمية السياحة بالمنطقة، إلا أن هذا يشبه الشجرة التي تخفي الغابة فكل الفلاحين يصرحون أن هذه الرمال تشكل عائقا أمام حياتهم المهنية وهذا يعزى إلى عدة أسباب، أهمها كثرة الكتبان الرملية التي يصل بعضها إلى حد تغطية بعض أشجار النخيل كاملة، و ليس هناك أخطر من توسعها على أجود المناطق الزراعية بفعل الرياح القوية التي تشهدها المنطقة ،و يبقى الجفاف العامل المساهم بشكل مباشر في تفاقم ظاهرة التصحر، فقلة الموارد المائية تحول دون التشجير و استغلال الأراضي للزراعة، ولم يبق لهذه الأراضي سوى مواجهة الرمال التي تغطيها، ليقف أهل البلدة وقفة تحسر على ما آلت إليه أوضاع أمانة ائتمنوا عليها.

الملوحة من بين التحديات:
فعلا إن الكل فقد الأمل، فالتحديات من كل الجوانب. فهل تبقى الملوحة مشكلا آخر يؤرق بال الفلاحين و الساكنة؟ لم يتأخر الجواب فالتقني العالي هـ.ب من مختبر الدراسات SOMATEP جاء على لسانه : “البنيات الجيولوجية المكونة لواد درعة تحتوي على صخرة الشيست التي ترفع من نسبة الملوحة في الماء”، و أكدت مصادر من م.و.ك.م.ش– قطاع الماء- أن نسبة الملوحة في الآبار الموزعة على طول ضفاف واد درعة تتراوح بين 5g/l إلى 7g/l . و من أهم سلبياتها أنها تعرقل توظيف التقنيات الحديثة في السقي؛ كطريقة السقي بالتنقيط، ذلك أن الملح يترسب في ثقوب هذه الأنابيب و يجعل مرور الماء شبه منعدم.
و بالرغم من أن مياه الشرب تخضع للتحلية فإن الساكنة تشتكي من ملوحتها، الشيء الذي دفعنا إلى زيارة محطة التحلية بتاكونيت، واتضح أن المهتمين بالأمر يحترمون المعايير الدولية في هذا المجال، و لا تبلغ نسبة الأملاح في المياه المعالجة إلا 2g/l و هي قيمة مقبولة.

خسارة وراء الأطماع:
لم تعد تقتصر خطورة ندرة المياه على العوامل الطبيعية فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى أن أصبح الأمر أكثر تعقيدا بإسهام اليد البشرية في ذلك، إذ عمقت من الجرح، و تم الاستحواذ على الأراضي التي نجت من الملوحة و التصحر ، ليتم استغلالها في زراعة البطيخ الأحمر “الدلاح”. فكما أوضح السيد ع.س من ساكنة المنطقة “زراعة الدلاح في تاكونيت تنحصر في منطقتي تفراوت و ميرد نظرا لتوفرهما على مياه عذبة الشيء الذي يتناسب مع هذا النوع من الزراعات”. و يتم استهلاك ما يقارب 5000m3 من الماء سنويا في الهكتار الواحد، و حسب احصائيات لوكالة الحوض المائي لسوس ماسة درعة فزراعة البطيخ تستحوذ على 58.31% من مجموع الماء المستهلك في الزراعة بزاكورة، الشيء الذي يتسبب في استنزاف للفرشة المائية، و الأدهى من ذلك أن اتساع هذا النوع من المزروعات يتم بشكل مهول و غير معقلن، فأين نحن من الهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة” الاستهلاك و الإنتاج المسؤولان” التي و ضعتها الأمم المتحدة؟ و أين نحن من تحويل عالمنا؟
لعلها خسارة كان ورائها مستثمرون طائشون جرفتهم سيول الجشع و تجاهلوا معاناة الساكنة مع الماء. إن من بين العوامل المؤدية الى استهداف هذا المجال بالضبط على غرار مجالات متوفرة على الماء هو المناخ الذي تتميز به الواحة ؛ حيث الحرارة و البعد المؤثرات البحرية الذي يساعد على ارتفاع الإنتاج و المردودية و الجودة العالية. لكن العيب لا يكمن في النتيجة السلبية التي ألحقت الضرر بأهم مادة حيوية، و هي الماء و أجبرت الساكنة للتكيف معها، لكن العيب هو التفكير السلبي المسبق للتنفيذ الذي يزيد الوضع تأزما.
في خضم كل هاته المشاكل لن تبق الأيدي مقيدة، بل ستسعى جاهدة للتخفيف من حدتها بتدخلات متواضعة من الساكنة، كالتشجير للقضاء على زحف الرمال، و يمكن اتخاذ اجراءات أكثر فعالية كبناء محطات التحلية للتخلص من أزمة العطش و تقنين حفر الآبار و تبني زراعات أقل استنزافا للماء و يمكن كذلك معالجة المياه العادمة لاستعمالها في الزراعة و ربط الأراضي الزراعية بأنابيب الري عوض السواقي التقليدية التي تضيع بسببها كميات مهمة من المياه.

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز

في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *