مايسة سلامة الناجي
أريد فقط من الأحزاب السياسية عامة ومن الأغلبية الحكومية الذين يشرعون أمام وجوهنا كل مرة بطاقة الشعبية، هم وشبيبتهم وكتائبهم الإلكترونية المتخصصة في شتيمة كل من ينتقدهم، أن يتدبروا في هذا الأمر:
لم يتركوا إعلانات تلفزية وإذاعية ولا إشهارات عبر المواقع والجرائد والمجلات، ولا خدمات رسائل نصية ولا خدمة موقع الداخلية عبر الانترنيت إلا وقاموا بها… ولا “رغيب ومزاوڭة” لتشجيع المغاربة على التسجيل في اللوائح الانتخابية، للمشاركة في الانتخابات الجماعية والجهوية التي ستنظم شهر يونيو المقبل لتشرع معها سياسة الجهوية المتقدمة، والتي من المفترض أنها حقبة جديدة في تاريخ المغرب… ومع ذلك، عزف المغاربة عن التسجيل عزوفا ليس له مثيل، وأعلنت وزارة الداخلية عن عدد المسجلين الهزيل الذي لم يتجاوز 500 ألف شخص، من بين 12 مليون ونصف المليون مغربي من المفترض أنهم مسجلون مسبقا رفضوا تجديد التسجيل. يعني أن 12 مليون مغربي الذين تفاءلوا بالمشهد السياسي بعد الحراك الفبرايري والدستور الجديد والحزب ذي المرجعية الإسلامية، أصبحوا اليوم كارهين صادين وجوههم عن الأحزاب مقاطعين لما يرونه مهزلة.
وحتى مع هذا العدد الهزيل المخجل للسياسيين- لو كانوا يخجلون ـ من المواطنين المسجلين، لازالت وزارة الداخلية خائفة من أن يعزف هؤلاء أيضا ويرفضوا التصويت أو يصوتوا بأوراق بيضاء، فاقترحت على الأحزاب تشجيعهم بولائم وعزائم وموائد ووجبات. وكأن الداخلية تعمل بفلسفة “الحداثيين” في التطبيع مع الموجود وتقنينه، من تقنين الإجهاض فقط لأنه موجود إلى تقنين الرشوة والفساد. وتعلم أن كثيرا من المواطنين يصلح معهم المثل القائل “ضربوا لحلقوا ينسى لي خلقوا”.. فقررت أن تعمل بفلسفة: “سيمانا ديال الزرقا والمرقة ونهار ديال الورقة واربع سنين ديال السرقة”.. وهي متأكدة أنها ستجد من المستجيبين من سيملأ لها صناديقها بما شاءت..
طبعا ستكون مهزلة أن يقرر 500 ألف شخص، مكونين من قيادات وشبيبة وعائلات وأصدقاء الأحزاب أنفسهم، ومن قلة قليلة من المشاركين أصحاب الضمير وكثير ممن تم اصطيادهم بڭصاعي كسكسو و20 درهم، أن يقرروا رؤساء جهات 33 مليون مواطن (حسب ما جاء به الإحصاء الجديد مع انتقاص المتوفين في فواجع فيضانات الجنوب ومحرقة طانطان وحادث ورزازات وباقي فواجع إهمال الوزراء).. ولكنها مهزلة أكبر أن نشارك في اختيار حزب من الأحزاب الموجودة حاليا في الساحة السياسية، لنختار:
إما حزب إلياس العماري الذي انتشرت عنه مؤخرا على الفايسبوك وثيقة تتهمه بالعمالة مع المخابرات، لم يتم تكذيبها كما تم تكذيب وثيقة اتهام الفيزازي بالعمالة. والحقيقة أننا لم نكن لنصفها بالتهمة لو أنه شخص بعيد عن السياسة، لكنها تصير تهمة بل وفضيحة حين ترتبط بشخص مثل العماري، أولا لأن المنطق يفي بأن المخابرات مكانهم الكواليس وليس التدبير المباشر لشؤون الشعب عبر الحكومة والبرلمان، واستقلالية السلطة تفي بأن طريقة تعامل المخابرات حتى مع المشتبه فيهم يجب أن تخضع للمساءلة البرلمانية.. وحين يختلط الأمر ويصبح العميل برلمانيا والوزير عميلا فاقرأ على حقوق الشعب السلام. ثانيا لأن العماري أصبح يروج لأجندات معادية للمغرب، بمعنى أنه أصبح يستغل المعلومات التي حصد من تعامله مع المخابرات ليبتز بها الدولة. فهل هذا حزب يمكن للمواطن أن يمنحه صوته؟ أم أن اللحم بالبرقوق أفضل من الحقوق؟
إما حزب بنكيران أو حزب شباط أو حزب لشڭر، الذين دوخوا الإعلام لشهر في حروبهم بوساطة مستشاري الملك، في مشهد حول السياسة إلى مهزلة.. بدل أن يتصارعوا لأجل مصلحة الشعب يتصارعون حول من الأقرب للملك ومن هو أكثر خدمة لصاحب الجلالة.. هل الحكومة أم المعارضة! أحزاب منعدمة الهوية والأيديولوجية والمرجعية.. لا هي إسلامية ولا هي يسارية ولا هي اشتراكية، ترفع ما ترفعه من شعارات دفاعا عما تسميه توجهات أيام المعارضة، ثم حين تصير في الحكومة تخلع عباءتها الحزبية وتضع الطريبيش المخزني والجلابة دالحبة والبليغة البلدية وتحول توجهها اقتصاديا إلى نيوليبرالية تقترض من البنك الدولي وتقول شي ما قترضت.. واجتماعيا إلى الحداثة بين تقنين الإجهاض غير شوية والتعامي عن سياحة الدعارة وعين ميكة عن المهرجانات حيث المغنيات يرقصن بالملابس الداخلية وشوية ديال الشراب وشوية ديال الحجاب مع صلاة الاستسقاء يرفعون شعار التعايش برعاية سامية.. ودينيا طبعا ينهجون نهج الصوفية، حتى لو كان وليا يطير كلشي بيخير مادام يقول عاش الملك. هل هؤلاء أحزاب نمنحهم أصواتنا؟ أم أن اللحم بالبرقوق أفضل من الحقوق!
عموما.. سواء صوتنا أم لم نصوت فإن الأجندات الملكية هي السارية في هذا البلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتلك الأحزاب ما هي إلا “كراكيز” لوضع طبقات بين الملكية والشعب في المشهد السياسي المغربي. ولذلك أقول إننا لسنا مستعدين اليوم لخوض غمار الجهوية المتقدمة واللامركزية، نفضل أن نظل مركزين مع المركز والذي هو الملك حتى نستطيع أن نوصل له أصواتنا بشكل مباشر. فالجهوية المتقدمة لن تزيد إلا حجب أصواتنا وزيادة حجم الطبقات حتى يكتموا أصواتنا ويقطعوا أنفاسنا… خاصة وأنها طبقات فاسدة من الأسفل نحو الشعب.. راكعة خانعة من الفوق نحو الملكية! .. يتفرعنون على الشعب ويتمسكنون على الملك حتى يبقيهم في أماكنهم..
أم تريدوننا أن نفعل بمقترح الداخلية: نديروا الجهوية وناكلوا الطنجية.. والساكتة والمستكوتة أفضل من الحق والعدل والحرية؟
*مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كتابها ولا تعبر عن رأي ” زاكورة نيوز”.