الإثنين , ديسمبر 23 2024
أخبار عاجلة

مسؤولية الجماعات الترابية في محاربة فيروس covid-19

حسن أبو القاسم

لقد ارتبط نشاط الإنسان منذ بداية التاريخ بمجموعة من المخاطر التيشكلت على الدوام تهديدات تواجه حياته وممتلكاته ومقومات بيئته. وتتعدد أنواع هذه المخاطر بحسب مصدرها، حيث إن بعضها لا يد للإنسان فيه، وتسمى المخاطر الطبيعية، و بعضها الأخر غالبا ما يكون للانسان فيه دخل، سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وتسمى المخاطر الصناعية أوالتكنولوجية…

لقد عرفت القرون الثلاثة الأخيرة طفرة وتطورا كبيرا في نشاط الإنسان أدى إلى سرعة كبيرة في تنقل الأشخاص والرساميل والسلع والخدمات، وهو ما يمكن تسميته بظاهرة العولمة؛ وعلى غرار الجوانب الإيجابية لهذه السرعة، فإن لها مجموعة من السلبيات لعل أظهرها في هذه الفترة،سرعة تنقل الأوبئة بتنقل الأشخاص،ولعل انتشار مرض COVID-19 في الأشهر الأخيرة أكبر دليل على هذا الطرح.

بغض النظر عن الجانب الطبي في مرض كورونا covid-19، سنحاول من خلال هذه الأسطر مناقشة الموضوع من زاوية قانونية، إذ إن انتشار مرض كهذا يسائل مسؤولية الأشخاص العمومية، ويدعونا للتساؤل عن الجهات المعنية بمحاربة هذا الداء غير الدولة.

فإذا كانت الدولة هي المسؤولة الأولى عن الصحة العمومية فهذا لايعني أنها المسؤولة الوحيدة، إذ إن الجماعات الترابية طرف معني أيضا في هذا الإطار، وقد خولها القانون مجموعة من الاختصاصات والصلاحيات التي تجعلها طرفا متدخلا في الشأن الصحي. من هذا المنطلق يمكننا طرح إشكالية محورية لهذا الموضوع مفادها مسؤولية الجماعات الترابية في محاربة الأوبئة –داء كوروناcovid-19 نموذجا-؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية من قبيل:

  • ما هي صلاحيات المجلس الجماعي فيما يخص المجال الصحي؟
  • ماهي اختصاصات رئيس المجلس الجماعي في المجال الصحي؟
  • ما دور الجماعات الترابية في محاربة الأوبئة؟
  • ما مسؤولية الجماعات الترابية في محاربة داء covid-19؟

وللإجابة عن كل هذه الأسئلة يمكننا اتباع التصميم التالي:

  • المحور الأول: اختصاصات الجماعات الترابية في المجال الصحي.
  • المحور الثاني: مسؤولية الجماعة الترابية في محاربة الأوبئة -داء covi-19نموذج-.

المحور الأول: اختصاصات الجماعات الترابية في المجال الصحي.

من خلال استقراء نصوص القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، نلاحظ أن المشرع أناط بالمجالس الجماعية مجموعة من الاختصاصات فيما يخص المجال الصحي(الفرع الأول)، كما مكن رئيس المجلس من مجموعة من الصلاحيات في هذا الباب، خصوصا فيما يتعلق باختصاصات الشرطة الادارية(الفرع الثاني).

الفرع الأول: صلاحيات مجلس الجماعة في الميدان الصحي.

يمارس المجلس الجماعي سلطة تداولية واسعة في مجموعة من الميادين، يستطيع من خلالها توجيه نفقات الجماعة بغية تحقيق التنمية المنشودة، ومن بين هذه المجالات مجال الصحة وما يرتبط به، حيث تنص المادة 92من القانون 113.14[1]أن من بين القضايا التي يتداول فيها المجلس، تلك المتعلقة بالتدابير الصحية والنظافة، من خلال اتخاذ كل ما يلزم لمحاربة عوامل انتشار الأمراض،وإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في الميدان الصحي، كالمكاتب الجماعية لحفظ الصحة نموذجا.

كما يمتلك المجلس سلطة واسعة من خلال التداول في شأن برنامج العمل مع بداية كل ولاية انتدابية، بحيث يمكن أن يساهم أعضاء المجلس باقتراحات المشاريع التي تهم المجال الصحي والتصويت عليها، على أساس تخطيط استراتيجي متوسط المدى يتمثل في برنامج العمل هذا.

وفي نفس الإطار، يتولى المجلس كل سنة التداول في شأن الميزانية ومناقشتها والتصويت عليها، ويستطيع من خلال هذه المنسابة السنوية أيضا توجيه النفقات الجماعية إلى المجال الصحي، وبرمجة الاعتمادات بالشكل الذي يمكن الرئيس من صرف مجموعة من النفقات لفائدة المجال الصحي، كما يمكن للمجلس في حالة عدم توفر الاعتمادات الكافية، التداول بشأن عميات تحويل الاعتمادات خلال السنة المالية لتلبية احتياجات هذا المجال.

الفرع الثاني: صلاحيات رئيس المجلس الجماعي في الميدان الصحي.

يضطلع رئيس المجلس الترابي بمجموعة من الاختصاصات التي يمكنه من خلالها دعم المجال الصحي، من أبرزها إعداد برنامج عمل الجماعة، إضافة إلىسلطتهفي تنفيذ مقررات المجلس، وإعداد الميزانية وتنفيذهابعد مصادقة المجلس وتأشيرة سلطة المراقبة.كما يتولى تلقائيا العمل على تنفيذ جميع التدابير الرامية إلى ضمان المحافظة على الصحة العمومية، وذلك على نفقة المعنيين بإنجازها أو الذين أخلوا بذلك[2].

إذا كان اختصاص ممارسة الشرطة الإدارية على المستوى الوطني موكولا إلى رئيس الحكومة بمقتضى الفصل 90 من الدستور[3]، فإن ممارستها على المستوى المحلي من اختصاص رئيس المجلس الجماعي، باستثناء بعض المجالات التي يختص بها عامل العمالة أو الإقليم. وعندما نتحدث عن الشرطة الادارية فإننا نتحدث عن تلك الوسيلة القانونية التي تبيح للإدارة التدخل للحفاظ على النظام العام بكافة مدلولاته في إطار الاختصاصات المنوطة بها[4].

ومن هذا المنطلق، يمارس رئيس مجلس الجماعة صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية بواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع، ويضطلع على الخصوص في الميدان الصحي بالصلاحيات التالية[5]:

الوقاية الصحية: يتولى رئيس المجلس منح رخص استغلال المؤسسات المضرة أو الخطيرة، كما يعمل على اتخاذ التدابير الضرورية لتفادي شرود البهائم المؤذية والمضرة، ومراقبة  كل الأماكن التي يمكن أن تصنع أو تخزن أو تباع فيها مواد خطيرة. ويعمل كذلك على تنظيم الأنشطة غير المنظمة التي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية، إضافة إلىالمساهمة في مراقبة جودة المواد الغذائية، و اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب و مكافحة انتشار الأمراض الوبائية و الخطيرة؛ وذلك طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها.

النظافة:أما فيما يخص النظافة، فإن رئيس المجلس يسهر على احترام شروط نظافة المساكن والطرق،واحترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات المفتوحة للعموم، ونظافة مجاري المياه والماء الصالح للشرب.

المحورالثاني: مسؤولية الجماعة الترابية في محاربة الأوبئة داء covid-19.

في هذا المحور سنحاول أن نلقي الضوء على مسؤولية الجماعة ودورها في محاربة الأوبئة (الفرع الأول)، من خلال استحضار نموذج فيروس covid-19(الفرع الثاني)الذي ظهرت حالاته الأولى في الأيام الأخيرة بالمغرب، بعد أن اجتاح مجموعة من الدول.

الفرع الأول: مسؤولية الجماعة الترابية في محاربة الأوبئة والأمراض.

تعتبر الجماعة الترابية شريكا أساسيا للدولة في حفظ وحماية صحة المواطنين، تنزيلا لما نص عليه الدستور من ضرورة العمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في العناية الصحية[6].وعلى هذا الأساس، نص القانون التنظيمي للجماعات على صلاحية مجلس الجماعة في التداول في القضايا المرتبطة بالتدابير الصحية ومحاربة عوامل انتشار الأمراض[7].كما مكن المشرع رئيس الجماعة من خلال ممارسة صلاحيات الشرطة الإدارية من اتخاذ كل التدابير اللازمة لتجنب ومكافحة انتشار الأمراض الوبائية والخطيرة.

وهنا يجذر بنا التساؤل عن مدى توفر الجماعات الترابية على الإمكانيات المادية والبشرية لمكافحة هذه الأوبئة، علما أن كل جماعة تكون مسؤولة داخل نفوذ ترابي محدود، وهذا ما يتطلب ضرورة التعاون والتنسيق بين الجماعات فيما بينها من جهة، وبين هذه الأخيرة والقطاع الحكومي المكلف بالصحة من جهة أخرى.

بالرجوع إلى تبويب الميزانية الجماعية، والبحث في الأسطر التي يمكن أن تدرج فيها اعتمادات يتم من خلالها مكافحة الأوبئة، نجد فيما يخص مصاريف التسيير فصلين تضمنها الباب الثاني، الأول معنون بالعلاجات الأساسية والمحافظة على الصحة رمز (chap20/art30)، والثاني معنون بالمحافظة على المراكز الاستشفائية والمستوصفات رمز (chap20/art40)[8]، وهكذا تستطيع الجماعة الترابية توفير اعتمادات مهمة لهذا الغرض.

كما يمكن للجماعة أن تساهم في محاربة الأوبئة والأمراض، من خلال اتخاذ التدابير اللازمة في المؤسسات المفتوحة للعموم، خاصة المطاعم والمقاهي وقاعات الألعاب والمشاهد والمسارح وأماكن السباحة وكل الأماكن الأخرى المفتوحة للعموم، وتحديد مواقيت فتحها وإغلاقها.على اعتبار أن مثل هذه الأماكن تساهم بشكل كبير في انتشار العدوى في حالة الأوبئة.

الفرع الثاني: نموذج كورونا covid-19.

بعد ظهور فيروس كرورنا في دجنبر الماضي في جمهورية الصين، وانتشاره خلال هذه الفترة الأخيرةعلى رقعة جغرافية كبيرة شملت عدة دولمن بينها المغرب، كان من الضروري البحث عن الأطراف المعنية بمحاربة هذا الداء على غرار وزارة الصحة، والنظر إلى الموضوع من زاوية قانونية.

إن المتتبع للشأن الوطني يجد بأن وزارة الصحة هي المتدخل الوحيد في شأن محاربة فيروس covid-19، إلى حد أن البعض بات يعتقد بأن الحكومة هي المسؤول الوحيد عن تدبير القطاع الصحي والأزمات المرتبطة به. صحيح أن القطاع الحكومي هو المسؤول الصحي الأول في البلاد، لكن لا يمكن القول أنه المسؤول الوحيد، فتدبير ملف كبير كملف وباء كورونا يتطلباشراك مجموعة من الأطراف، فبغض النظرعن الجانب الطبي العلاجي في الموضوع، هناك جوانب أخرى مثل الجانب اللوجيستيكي والجانب التوعوي التحسيسي الذي يستطيع أن قوم به مجموعة المتدخلين كالجماعات الترابية و المجتمع المدني، خصوصا لاحتكاكهم بشريحة أكبر بالسكان في جمال ترابي محدود.

إذا كان دور أغلب الجماعات الترابية في الميدان الصحي يقتصر في غالب الأحيان على اعتمادات بسيطة تترجم في شراء مواد صحية للمكاتب الصحية البلدية أو شراء مواد التلقيح او مواد إبادة الفئران(الرمز في الميزانية: 20.30.30.10.13)، فإن هذا الدور يجب أن يتعزز في فترات كهاته. ونظرا للطبيعة التقديرية للميزانية الجماعية والطبيعة الفجائية والمباغتة للأوبئة وسرعة انتشارها، يتعين على المجالس رصد الاعتمادات الكافية للقيام بهذا الدور، وذلك من خلال مجموعة من الآليات التي تسمح بتغيير ملامح الميزانية، من أبرزهاالميزانية المعدلة وإمكانية تحويل الاعتمادات.

ومن جهة أخرى، فعلى غرار دورية وزير الثقافة والشباب والرياضة عدد 129/2020 بتاريخ 5 مارس 2020[9]التي اتخذ من خلالها مجموعة من الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، حيث تم منع مجموعة من التظاهرات التي يكون فيها تجمهر الأشخاص، وقراري تعليق الرحلات الجوية نحو الصين وإطاليا من طرف شركة الخطوط الملكية المغربية؛ لم يتم إلى حد الأن الإعلان عن أي  مبادرة من طرف رؤساء الجماعات الترابية لتنزيل اجراءات وتدابير للوقاية والحد من انتشار هذا الداء.

خاتمة:

إن تفعيل أدوار الجماعات الترابية لا يقتصر على النصوص القانونية، وإنما يجب أن يترجم بواسطة إجراءات ملموسة تبرهن عن إرادة قوية في تدبير الشأن المحلي التدبير الأنجع، ورغم ما تعانيه هذه الجماعات من ضعف في الموارد، إلا أن هذا لا يجب أن يكون حائلا دون التعبير عن تلك الإرادة ولو بوثيقة ضئيلة التكلفة، كبيرة الأثر، تتضمن إذنا أو أمرا أو منعا، ربما تستطيع المساهمة في الحد من انتشار داء كفيروس covid-19.


المراجع:

  • المديرية العامة للجماعات المحلية، دليل الشرطة الإدارية الجماعية، سلسلة دليل المنتخب، الطبعة الأولى، 2009،ص 3.
  • الدستور المغربي لسنة 2011.
  • الظهير الشريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015)، الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات 6380 بتاريخ 6 شوال 1436 موافق 23 يوليوز 2015. ص 6660.
  • قرار مشترك لوزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية رقم 1356.18 صادر في 13 شعبان 1439 (30 ابريل 2018) بتحديد تبويب ميزانية الجماعة، ج.ر 6678 بتاريخ 31 ماي 2018، ص 3106.
  • http://delegation.mjs.gov.ma/

الهوامش:

[1]الظهير الشريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015)، الصادر بتنفيذ القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات 6380 بتاريخ 6 شوال 1436 موافق 23 يوليوز 2015. ص 6660.

[2]المادة 107 من القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات، تمت الاشارة اليه سابقا.

[3]الفصل 90 من الدستور المغربي، 2011.

[4] المديرية العامة للجماعات المحلية، دليل الشرطة الإدارية الجماعية، سلسلة دليل المنتخب، الطبعة الأولى، 2009،ص 3.

[5] المادة 100 من القانون التنظيمي 113-14 المتعلق بالجماعات، تمت الاشارة اليه سابقا،

[6] الفصل 31 من الدستور المغربي، 2011.

[7] المادة 92 من القانون 113.14، تمت الاشارة اليه سابقا.

[8] قرار مشترك لوزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية رقم 1356.18 صادر في 13 شعبان 1439 (30 ابريل 2018) بتحديد تبويب ميزانية الجماعة، ج.ر 6678 بتاريخ 31 ماي 2018، ص 3106.

[9] البوابة الالكترونية لمديرية الشباب والرياضة بجهة العيون الساقية الحمراء، (http://delegation.mjs.gov.ma/)

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز

في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *