الإثنين , ديسمبر 23 2024
أخبار عاجلة

هواجس التأمل الفلسفي واللاوعي النفسي في رواية “هواجس الضياع” للروائي الحسين أيت بها

لحسن أيت بها

يبدع كعادته الروائي المغربي الحسين أيت بها في روايته “هواجس الضياع”، تجريب الكتابة الجريئة التي تتجاوز هاجس الزمن، والسفر عبر أعماق النفس الإنسانية المعقدة والمتأزمة نفسيا واجتماعيا، إلى معانقة الأسئلة الفلسفية الصارخة التي يطرحها الفكر الحديث من خلال الفيلسوف فريدريك نيتشه، الأب الروحي للفلسفة والفكر العقلاني الحديث، من غير أن تفقد الرواية موطنها المحلي في همومها المتشعبة، لتمتد عبر سرد سيرة المجتمع المغربي الذي ولد في أحضان القرى والبوادي، ليمتد عبر التحولات التي تعرفها المدينة، بل يظل المجتمع الهاجس الأكبر في ضياع بطل القصة، وفي عرقلة طموحاته، إلى الغرق الصوفي والروحي في نفض تداعيات هموم الذات، وتأملات أعماق الباطن التي تنفث لا وعي بطل القصة مستحضرا أصدقائه وكل أقربائه، محملا إياهم العبث والضياع الذي نال من حياته، وأدى بها إلى الهلاك والجنون، والضياع المفضي إلى الاعتراف بالحقائق، أو بالأحرى الموت ودفن أجزاء من الحقيقة في غياهب اللحد…

الرواية الصادرة حديثا ضمن منشورات دار النشر للدراويش ببلغاريا، جاءت في ثمان فصول تحمل العناوين التالية: الشفاء – الجنون والعظمة – المصير- كرامات الهداوي – هذيان – العشق – الاعتراف – الحقيقة، وقد عمل على تصميم غلافها مشكورا الشاعر المتألق نور الدين الوادي، في حين تفردت الرواية بحمل لوحة الفنان والمخرج العالمي: إحسان جيزاني، صورة الأهوار الجنوبي الطيب. وهي تعبير عن شخصية البطل في القصة الهداوي الذي يبوح بما تزخر به نفسه من حسرة وقلق وجودي دائم نتيجة طيبوبته المفرطة وتعرضه للضياع، وفقدانه بوصلة الحياة، وتشبعه المفرط بأفكار الفلاسفة خصوصا في مرحلة الطلب، فقد كان يميل إلى فكر نيتشه ذلك المتمرد الذي طغى فكره وغلب على الفكر الحديث، تميزت الرواية بحضور التكثيف والاختزال، إلى جانب السرد والوصف، وكلها يعالجها الكاتب من زاوية التجريب في الرواية العربية المغربية، سرد أنطلوجي سيري يعكس حياة رجل عانى من الجنون لحد الضعف، مما سيعرج من خلاله الكاتب إلى فتح مجال الحقائق والحكم الفلسفية، واستنباط التأملات الذاتية الموغلة في تجارب الحياة، ولهذا نصادف منذ الوهلة الأولى أقوالا متفرقة للفيلسوف نيتشه، ثم خلجات فكرية عن قرية الهداوي، موسومة بعناوين فرعية من قبيل: هموم ـ حنين ـ ذات منكسرة ـ أشبح ـ خواء ـ عدم …

وهو جس لنبض القارئ ليفترض منذ الوهلة الأولى أن الرواية تحمل أسرارا وألغاز، النهاية وحدها هي التي تتيح للقارئ فك معالمها، بل ستأثر في القارئ عند تلقيه لمعاناة الهداوي المضاعفة الذي سيسترجع من خلالها ماضيه البئيس، ليعطي بعض الحقائق التي ما كنا لنعرفها عنه ، لولا صديقه عبد المجيد الذي احتفظ بالحكاية، وأراد أن يتذكر صديقه بهذه الكلمات التي يروح بها عن نفسه، ويبعد هموم ضميره الذي يؤنبه منذ رحيل الهداوي… تلك هي المناحي التي عرفتها رواية “هواجس الضياع” عبر المحطات التي يسردها الكاتب والروائي الحسين أيت بها، إنه يستدرج الكاتب بالحكم فيوقعه في نوع من التأمل الصوفي الباطني في حقيقة الموت والحياة، ذلك الخيط الرفيع بين العقل والجنون، والذي يحار في التمييز بينه كما يحار في التمييز بين سواد الليل ونور الصباح، فيصدم القارئ بحالة ممتلك الحقيقة الهداوي الطيب المجنون، الذي لم يحصل على فرصة التعبير عن ما يخالج نفسه من هموم وضياع ، بل لم يصدقه أحد، فيتابع السرد ليؤثر في القارئ، الذي بدوره ينتظر الحقيقة، بل ينتظر ما آلت له حياة الهداوي، والتي تحمل في طياتها نهاية القصة… يستمر السرد إذن على أمل افتراض خارطة للطريق أو نهاية منتظرة، لكن الموت وحده هو الذي يجيب على هذه الأسئلة الفلسفية المتعالية، فيفسر حكمة الجنون من عدمه….

يقول الكاتب  الحسين أيت بها في روايته : ” الحمد لله الآن شفي عبد العالي، فأنساني هذا المشهد الجميل مأساته وحكايته التي عمق جراحي، وجعلتني أفقد الكثير من نفسي وذاتي، الحكاية التي أرهقتني وأنا أسمعها من الناس، هذه الحكاية التي تعيد نفسها عدة مرات، حكاية مأساوية ومؤلمة، أبكتني وجعلتني أتوقف عن السرد مرات ومرات، يبدو أنكم في شوق لمعرفة قصته، ولكم الحق في ذلك، أما بالنسبة لي فقد آن الأوان لنفض الغبار عن خلاصات قصة صديقي عبد العالي، والتخلي عن هم كان يراودني أيام وأيام وأنا أعيش في القرية، متتبعا ظل عبد العالي، المعروف بالهداوي”.

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز

في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *