1. من خلال جولة ميدانية قمنا بها (صحيفة الناس) لعدد من المناطق والقرى النائية وقفنا على استفحال ما يسمى بزواج القاصرات. بماذا يمكنك أن تفسر هذا الأمر؟
+ هناك اختلاف وتباين في التفسير والمقاربة حسب طبيعة المناطق، ففي منطقة أيت عمرو بأنفكو بإقليم ميدلت لازال سكانها متشبثين بالزواج العشائري، وبالتالي فاالزواج لديهم جماعي وإلزامي، رغم صغر سن المتزوجات، يسمى بالأمازيغية (أسدي). ومرده إلى كون أيت عمرو، إحدى أبطن أيت حديدو، اعتمدت هذا النوع من الزواج مكرهة، لأن عشائر أيت حديدو لا تتزوج بناتها لأسباب إثنوغرافية. يحدد سن زواج الفتاة قبيل البلوغ، في حين، تسود في منطقة أيت عبدي (عشيرة) أيت بندق، مقاربة أخرى، مفادها إن الفتاة يجب أن تتزوج قبل دم الحيض، ذلك أن الزواج مؤسسة تقوم، لدى مجموعة من العشائر إلى جانب أيت بندق، على ثقافة الدم. والدم أسلوب من أساليب التعاقد، إن لم يكن هو أصل كل تعاقد أو رابطة، بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والأرض لدى عشائر أخرى، فالأرض غير المسيطر عليها بالقوة، أي: بالدم غير مطهرة..إنها أنساق ثقافية رمزية أصيلة، وهؤلاء الناس لا يقومون بذلك بدعوى الأمية والتخلف كما تذهب إلى ذلك أغلب المقاربات التي تتناول الموضوع، إنهم ليسو متخلفين، بل فقط حريصون على الحفاظ على الأنساق الثقافية الرمزية. وحسبنا أن مصطلح “الدعارة” غير موجود في اللغة الأمازيغية، والثقافة الأمازيغية، وكذا الشأن بالنسبة لممارسة الجنس، فهي كلمة ذات صلة بالخصوبة (قطرات الخصوبة). والخصوبة تطول الأرض والإنسان والسماء. ذلك أن قوس قزح يسمى بالأمازيغية (تيسليت أونزار)، أي: عروس المطر. ولا تزال طقوس الاستسقاء (الثلغنجاء) ترمز إلى التحرش بإله أمون، إله المطر لدى المصريين والمغاربة بشمال أفريقيا…وباختصار هناك مصطلحات مرتبطة بالخصوبة، بمعنى أننا عندما نزور هذه المناطق فنحن من نسقط عنهم هذه الصفات والنعوت، نحن المتخلفون في الحقيقة وليس هم، لأننا نحكم عليهم بمرجعيات ثقافية حملناها من الوسط الممدن إنهم يحافظون على نسقهم الثقافي ولم يخضعوا للتطور، النسق الثقافي المرتبط أشد الارتباط بما هو سائد في بلاد المغارب في العصر التاريخي القديم.
2- لكن ألا ترى معي أن هذا النسق الثقافي أن له تداعيات خطيرة اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا؟
+ نعم هذا صحيح، لكن يجب الفصل بين كون هذه المجتمعات يجب أن تنتقل إلى الحداثة، وبين مجتمعات تشبعت بأفكار أخرى، ولها نسق ثقافي مغاير تحضر فيه في الغالب الطقوس المرتبطة بالمعتقدات القديمة، وتعتمد الشفاهية في كل شيء، مادام الفصل بين الممارسة والعهد والمعتقد غير وارد. لذلك يقوم الزواج في هذه المناطق على الشفاهية والعرف، وتتحكم فيه العشيرة، وهو نطاق خاضع لسلطة القبيلة. ففي هذا النطاق تغيب الولاية، في بعض، الأحيان غيابا جزئيا أو كليا، حيث يحق للفتاة أن تختار زوجها بكل حرية عن طريق (تقرفيت) في بعض الأوساط. ويتحكم في الزواج في هذا النطاق الشفاهي طقوس قديمة يغلفها الرمز، ويضفي عليها نوعا من التقية، إن كانت لهذه الطقوس علاقة بعادات قديمة، كالعادات اليهودية مثلا، وطالما تكيف بعض الطقوس، كأن تنقل من عالم الرجال إلى عالم الأطفال، كما هو حال الاحتفال بمناسبة تقديم طعام التواب ترحما على ضحايا سفينة نوح (تابيانوت) بالأمازيغية. ومن العادات، في هذا النطاق، ما يمارس في السر، وفي وقت متأخر من الليل، خشية إظهار وجه من أوجه الفحش القديمة الممقوتة في معظم الملل. لذلك فالصراع بين الثقافة الأصيلة والثقافة القادمة من الحاضرة، المتشبعة في الغالب بالديانات السماوية، صراع قديم، إذ تحصل المقاومة بشتى الأساليب، طمعا في الدفاع عن الهوية الثقافية. ولا غرو فقد أدركنا الآن أننا مجتمع متعدد والفصل الخامس من الدستور ينص على ذلك.
3- معنى هذا أن زواج القاصرات لا يمكن القضاء عليه اعتمادا على تشبت هؤلاء القبائل بالنسق الثقافي؟
+ يجب إعمال مقاربة سوسيو اقتصادية لهذا الموضوع، إن كانت الحاجة إلى تغيير هذه الأنساق قائمة، وربط التحول الفكري بالتنمية، وأن يحدث الانتقال بطرقه السليمة، لا يمكن أن يحدث على مستوى الفكر دون فك العزلة عنهم وإدماجهم في التنمية، كما أنه حقيق بنا أن نحلل داخل تلك الأنساق الثقافية وفهمها من الداخل، لأن هدف الزواج في مثل هذه الزيجات ليس بناء أسرة، بل فقط الانتقال من العذرية إلى امرأة، نقول بالأمازيغية [تكس إبرطن]، أي غيرت شكل شعر الرأس، ومعنى ذلك أن ثقافة الخصوبة هي التي تهيمن، في الدرجة الأولى، ثم إن توثيق عقود الزواج أتت به في الحضارة الحديثة. أما الزواج فقد كان يحصل بشكل شفاهي. وإذا أردنا دمج الأطفال في المؤسسة الحديثة فإنهم فقط بهذا المفهوم يتحولون إلى ضحايا، مجردين عن هويتهم الثقافية، وغير متمتعين بالتحولات المجالية والتنموية.
من هذا المنطلق أعتقد أن زواج القاصرات لا يتقلص بل قد سيتمر ويتضاعف، لأنه لم يقع التحول السوسيو مجالي، نحن لا ندافع عنه، ولكن بالمقابل لا يجب أن نتعسف على أهله، وننعتهم بالتخلف، ونرجع ذلك إلى الجهل والأمية، فكأننا نعنفهم بثقافة أخرى ومرجعية أخرى لا تعنيهم، فحتى قوانين مدونة الأسرة في السنوات الماضية، أدت بسكان هذه المناطق إلى عدم الامتثال لها، والتزوج بعيدا عن مؤسسة القضاء، وكذلك يفعلون لما يقدمون على تطليق أزواجهم. .
حوار مع الاستاذ لحسن آيت الفقيه أستاذ باحث في التراث الثقافي في الأطلس الكبير الشرقي الاستجواب الذي نشرته صحيفة الناس العدد 177