كلما لاحت في لافق بشائر شهر رمضان الفضيل ،تناهى إلى سمع سكان الواحات الغارقة في لجج الحرارة المرتفعة عبق شهر عظيم أوله رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار .
فأما الرجال والشباب فيتنافسون في جمع المحصول الزراعي الذي اشتد عوده وليس في حاجة إلى تأجيله ليتفرpغوا إلى الصلاة والصيام وصلة الرحم .
كيف لا وشهر رمضان مشتق من الرمضاء وهي شدة الحرارة التي ينتج عنها شدة العطش الشديد .وبالتالي فالذهاب الى الحقول يبدا مباشرة بعد صلاة الفجر قبل أن تشتعل نار الشمس الحارقة ،واذكر ان صادف موسم الحصاد فترة الصيام ،فاضطر الناس الى استغلال ضوء القمر ليلا للقيام بهذه العملية بعد صلاة العشاء مباشرة غير آبهين بلسعات العقارب والافاعي والاشواك.
وأما داخل المنازل الطينية ،فأقيمت حملة للنظافة ،نظافة الحواري والطرقات المؤدية إلى المسجد الحارس الروحي لسكان الواحات ،وأيضا نظافة المنازل وغسل الاواني والافرشة وطحن دقيق الحريرة في المطحنة التي تنتصب على مرمى حجر من الدوار .
وفي المنازل تحولت الدور إلى اوراش لنسج الزرابي والحصائر من سعف النخيل ،حيث تتفنن النساء الطاعنات في السن بمساعدة الاولاد ذكورا وإناثا في نسج زرابي وحصائر تقليدية للاستعمال المحلي ،فلسيدنا رمضان كما تحب أمي أن تقول عبق خاص ،فلا ينبغي ان يصرف فيما يعصي الله تعالى فالعمل عبادة أيضا.
شهر مضان هو شهر الصدقات أيضا ،فالعائلات الاقطاعية تتنافس فيما بينها في تهييء الحريرة في أواني خزفية تُعرَفُ محليا “بالبَرْمَةِ” منتصف النهار حيث توزع على الاطفال الصغار أمام “فم القصر ” من طرف شخص من سكان القرية ، حيث تتسابق البطون الجائعة لتحصل على نصيبها من الحريرة أمام مرآى الكبار الذين تتلوى أمعاؤهم من الجوع والعطش ، فالنساء تمتنعن عن الطهي خلال النهار مما يجعل الابناء الصغاريتحولون إلى قطط الموائد يقتاتون فقط على ما تبقى من الليل ومن الصدقات التي تجود بها بعض الدور على “وكالين رمضان” من الصبيان والصبايا .
شهر رمضان بالمجتمع الواحي ليس فقط شهر الصيام ،وإنما هو شهر العبادة إذ تمتلئ المساجد بالمصلين لتأدية الصلوات الخمس ،وصلاة التراويح في أوقاتها في جو رباني ،إضافة إلى دروس الوعظ والارشاد التي تقدمها وزرة الاوقاف والشؤون الاسلامية .
وفي آخر الليل تتوقف الانفس سويعات قليلة عن التهليل والتسبيح والاستغفار لتغرق في نوم خفيف ، قبل ان تنتصب في الافق “سبابة” السي امبارك الغياط رحمه الله ،فتطلق صيحتها في اعالي المنازل إيذانا بقرب وقت السحور .
عبد الكريم الجعفري -أستاذ باحث – زاكورة