حوار من إنجاز يوسف عاصم
هو الأستاذ و الفنان المسرحي و الكاتب و الزجال و الشاعر، إسماعيل الواعرابي، الذي رأى النور لأول مرة بزاكورة في 1987/4/6، حصل على الإجازة في الأدب العربي و عمل أستاذا، و هو مدير مهرجان ” أماناي” للملتقى الوطني للمسرح بورززات، و هو مؤسس مختبر” صامويل بكيت” للإبداع الفني و المسرحي، و هو منشط إذاعي بإذاعة صوت ورززات، و هو معد و منشط برامج مثل : ” طريز الحروف” و ” أوراق أدبية” و ” رسائل الجمال”..إلخ، و هو عضو في مجموعة من الجمعيات النشيطة بمدينة ورززات. له مجموعة من المؤلفات من بينها: ديوان ” طريز الحروف” في الزجل و “زوايا من المسرح المغربي، تركيب و خلاصات” و ” وقفات على رصيف الذاكرة” و ” رسائل الجمال” و مجموعات قصصية و غيرها . له كذلك مجموعة من النصوص المسرحية التي شارك بها تأليفا و إخراجا في عدة ملتقيات فنية و مسرحية في ربوع الوطن، و نذكر من هذه الأعمال المسرحية: ” سند وباد” و مسرحية ” بحال والوا” و أعمال و نصوص مسرحية أخرى. و هو يؤطر كذلك مجموعة من الأنشطة الفنية و التربوية. في هذا اللقاء، سنحاول قدر الإمكان أن نكتشف السر الذي يجعل المثقف و الشاعر و الكاتب و الفنان المسرحي يقف عاليا بصوته و بقصائده الثائرة و يدافع عن الأساتذة المتدربين و قضيتهم الوطنية؟؟؟؟
– س: من يكون الأستاذ إسماعيل الواعرابي؟
– ج: إسماعيل الوعرابي، من مواليد زاكورة ترعرعت بين قلعة مكونة و تازارين ونضجت في ورزازات. أب لطفلة “الريحانة” وأستاذ للغة العربية، شاعر زجال ومسرحي.
– س: من أين ننطلق أستاذي، أمن ” رسالة موجهة في ظرف مفتوح” أو من” مؤامرة القنافذ “ أو من ” خبر صدر…حكومة تمنع شعبها من السفر” ؟
– ج: هذه القصائد المذكورة لو أضفت بينها روابط لأمكن أن تكون قصيدة واحدة، تحمل نفسا واحدا وصرخة واحدة، ألم الإحساس بالإهانة ممتد عبر أنزيم هذه القصائد مجتمعة، قد يختلف زمن الكتابة ومكان ولادة الحكاية، ولكن الجرح نفسه والألم ذاته يراودني كلما هممت بورقة لأخط على ثناياها أبياتا.
س: ما حكايتكم مع الأساتذة المتدربين؟
– ج: حكاياتي مع الأساتذة المتدربين: هم أهل قضية ولا جدال في الموضوع، أعرف منهم عددا قياسيا وقضيتهم قضية كل مغربي، الحكومة دبرت ملفهم بسياسة عاهرة فارغة، استفزني كثيرا تعاطي الحكومة مع قضية الأساتذة المتدربين دون اعتبار لعلمهم وكفاحهم وشواهدهم، وكأنهم مجرد رعاع لا يملكون حقا في هذه البلاد التي تتبجح ملء شدقيها بالدستور والقانون، آلمني كثيرا استهتار رئيس الحكومة بهذه الفئة، و رجال التعليم لهم فضل في وصول العدالة والتنمية إلى الرئاسة وهذا أمر لا ينكره إلا جاحد، يبدو أن الحكومة ماضية في نسف كل المكتسبات، وهذا واضح للعيان، جل تصريحاتهم تقول أن قطاعي التعليم والصحة أصبحا حملا ثقيلا على الدولة، وهذه سياسة تسعى إلى تجريد الشعب من أبسط حقوقه (التعليم والصحة)، ولعل بحثا بسيطا يجعلك متيقنا من أن الدولة تخصص ميزانية ضخمة لتسيير وزارة الداخلية والقطاعات والمديريات التابعة لها، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على الوساوس الأمنية التي تقض مضجع الدولة وتبذل جهدا بشريا وماديا للسيطرة عليها، في المقابل يبدو أن هاجس تعليم الشعب لا يراود أحلام المسيرين، وهنا البعد الأمني طاغ على كل الأبعاد الأخرى، ولو على حساب الحقوق. كنت في لقاء حضره الوزير المنتدب لدى وزير التعليم، ووجهت له سؤالا حول ملف الأساتذة المتدربين، فكان الرد صادما : علينا إيجاد حل يحافظ على هيبة الدولة!!؟؟ بقدر ما كان الرد مضحكا، بقدر ما كان بوليسيا بامتياز، والوزير أغفل أن الشعب هو أساس هيبة الدولة، نعود ونقول أن ملف الأساتذة كشف عورات التسيير الحكومي، إذ أنه كان بالإمكان أن تعلن الوزارة عن اختبارين منفصلين، الأول لولوج التعليم العام والثاني لولوج القطاع الخاص، ويكون لدى المعنيين بالاختبار حرية الاختيار، وفرصتين بدل فرصة ملغومة. الكارثة في الملف هو التعنيف الذي تعرض له الأساتذة، غير مقبول في هذا العصر الذي نرفع فيه شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن تتعرض شريحة النبلاء للضرب والسحل والسحق والمحق في الشوارع، وتجنيد “المقدمين” و “الجراية” لملاحقة الأساتذة، ستظل واقعة انزكان ذكرى عار في جبين رئيس الحكومة، فإن كان علم بها فهذه مصيبة وإن لم يعلم بها فتلك كارثة، يبدو أن التناقض والتضارب في الآراء بعيد الواقعة أبان للشعب الكثير من خبايا التسيير الحكومي، والعجب أن الكل متضامن مع الملف إلا جماعة المطبلين والمهللين ومريدي الزاوية البنكرانية، هذه عقيدتهم على كل حال المرشد فوق كل اعتبار، وكان لابد من أن نجرب العدالة والتنمية واقعا، والفرصة كانت سانحة، و الشعب في مصافهم، وهو أول من صفع بأيديهم بعد استوائهم على الكراسي، هو حزب وجماعة لها مقاربة في تفييئ الشعب: – الفئة الأولى: “الأذرع الانتخابية” تبدأ مهمتهم مع الانتخابات وتنتهي مباشرة بعد إعلان النتائج، فئة لا يعتد بها أبدا في القرارات الداخلية للحزب/الجماعة. -الفئة الثانية: “العامة” فئة تستدعى للتصويت على الهياكل الداخلية للجماعة/الحزب، وقد تتقلد بعض المناصب الثانوية – الفئة الثالثة: “الخاصة” هم رؤساء الهياكل المنتشرة في كل المدن، وتجدهم يحملون اللواء ويحفظون الشعارات، ويملئون الكراسي في المجلس الوطني، ويفرحون كل الفرح بمجرد لقاء أو صورة مع الرئيس. – الفئة الرابعة: خاصة الخاصة: هم خريجو الجماعة الأم، وهم أقدام الإخطبوط، وفيهم من يوزع الكعكة، وهم أنفسهم من يأكل الكعكة، ويكافئؤون بالوزارات والسفارات والزيارات والخرجات، وتجد لهم سحنة واحدة وفكرا واحد ويلوكون خطابا واحدا، لا جديد فيه ولا تجديد، وهم من يخططون لسبل التواصل مع الفئات الأخرى. ببساطة وعودا على بدء، سياسة العدالة والتنمية في الحكومة سياسة معتمدة على حل أمور الجماعة والأهل والعشيرة ثم العاملين عليها فالمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب… ولك أن تتبع الترتيب لتتبين أين تجد الشعب ضمن هذا الترتيب، ثم ابحث عن ملف الأساتذة المتدربين ضمن هذا التصنيف!!!
– س: في قصيدة تقولون: بأنكم لستم من يروي قصصا، ألستم تعرفون بأنكم أكبر واحد من المثقفين الذين يرصدون معاناة الأساتذة المتدربين و يصرخون عاليا من أجل حقوقهم ؟
– ج: “أنا لست من يروي قصصا” ولست من تخاصمه القصيدة. لا أنضم على الطرقات وأرصفة المقاهي… هذه قصيدة/وثيقة أحدد بها مقاييس النظم لدي، كل نضم خارج القضية فهو باطل، ودائما ما أصرح بأني شاعر جنوبي عاشر العقارب والأفاعي ولا يرى البحر سوى مرتين في العمر، لا ناطحات سحاب ولا قطار ولا مواصلات، ولا حقوق ولا قانون، أستاذ يضرب وقاض يعزل فكيف أكتب عن الجمال؟ لا بد من التمتع بالحقوق لتزهر الجمالات في كل جانب، بعدها نفكر في النظم على القمر والليل والنجوم، لا وقت لدي والفؤاد يعتصر ألما مما يقاسيه الأساتذة المتدربون، ولهذا كانت قضيتهم تجتاح ما استجد من أشعاري، تقتحمه اقتحاما، وليس تعاطفا باردا، وإنما إيمانا بعدالة الملف وبعده الاجتماعي.
– س: لماذا قصائدكم ثائرة؟
– ج: لماذا قصائدي ثائرة؟ مصطلح الثورة تغيرت معالم مفهومه بعد ثورات الربيع العربي، ولست سائرا في هذا المسار، هذا النفس الذي أكتب به ضارب في قدم قصائدي زجلية كانت أو فصيحة، “لبلاد بلادي”2012، “سير تضيم أحميدة” 2007 “لمكتوب” 2010،/ “زمان غابر” 2005، وغيرها من القصائد، كلها تشخص الوضع وتنتقده وتطرح بدائل، وكل أصدقائي الشعراء ينعتون شعري بالثائر، والقلم المتمرد، وكل وكيف يرى أشعاري، المهم أنني أومن أن كل شعر بدون قضية فهو فراغ وتنميق وكلمات زائلة.
– س: أقتبس من بعض قصائدكم “في الحافلة، أغمي على فتاة في ربيعها العشرين، هب الجميع لنجدتها و تداعت لها الأيادي حاملة، يد في الخصر و أخرى على الصدر تهتك أعراضها الزائلة و لص يفتش في جيبها بيد خائفة، و الواعظ يحدق في مفاتنها الكاشفة و يتلو تعويذة فاشلة. هنا عباد شهوة، هنا لصوص لحظة، هنا اتحدوا كأنهم عائلة…أستاذي، كيف ترون المجتمع المغربي في الوقت الراهن؟
– ج: قصيدة في الحافلة هي صورة مصغرة لمجتمع منهك اجتماعيا، مفقر اقتصاديا، مغيب سياسيا، وتنطبق القصيدة في بعض تفاصيلها على المجتمع المغربي، الذي اختلطت عليه الحقوق الضرورية بالثانوية وأصبح يعتقد أن حقه في الاستشفاء رهين ببركة المسؤولين وعطفهم، مجرد امتلاك سكن أو شقة في هذه البلاد السعيدة يعد رفاهية، في حين لا يعدو أن يكون مجرد امتلاك لحقوق بسيطة، وهنا تظهر نجاعة السياسات المتعاقبة على المغاربة، أنهكتهم بالزيادات وغيبتهم في المشاريع وأصبح المغربي مجرد آلة تستيقظ صباحا جريا وراء لقمة العيش ليلقى مغمى عليه مساءا في ركن من أركان بيته لو توفر له بيت. والإعلام مصيبة عظمى، إعلام هدام ومطبل كل استراتيجياته مسخرة لاستغباء الشعب، أفلام مستوردة، برامج مهلوسة، مشاهير من كرتون، قدوات تافهة، وأوكلنا مهمة التربية داخل البيت للتلفاز، ولكم أن تتصوروا جيلا ساهم في تربيته إعلامنا، كيف له أن يفكر أو يدبر ؟؟؟
– س: المستمع لقصائدكم الثائرة و الجميلة يلمس فيها أنكم ضد الظلم و الاستبداد و يلمس فيها كذلك تمرد محمود درويش و صور مروان البرغوتي وحماس عمر الفرا ، إلى أي حد أنتم متأرون بهؤلاء الشعراء الكبار؟
– ج: مفخرة ما بعدها مفخرة أن أتأثر بالكبير درويش، وعز لا أرى بعده عز أن تشبه قصيدة من قصائدي روائع البرغوثي، وقمة المجد أن أغترف من حماس الفرا.. هم عظام لأن شعرهم ظل ملتصقا بالقضايا، وقد استمعت وحفظت من أشعارهم : -“السد العالي” درويش -“في القدس” “بيان عسكري” البرغوتي – “رجال الفتح في لبنان” الفرا ولكن أجدني متأثرا بلافتات أحمد مطر، في تنظيمها وسرعتها وبساطتها ودقة المعنى فيها، تصلك الرسالة وتبقى اللافتة منتصبة في ذهنك سنين، من هنا جاءت فكرة البطائق الشعرية التي تختلف اختلافا كبيرا عما أكتبه من شعر نثري أو حر أو موزون، تلك البطائق تجربة لا تزال وليدة، ومع حداثتها أحسست بانتشارها وتقبلها من لدن شريحة واسعة من المهتمين، لذلك طغت على معظم كتاباتي في الآونة الأخيرة. ولي كتابات قصصية وبرامج إذاعية ومقالات ومشاركات مسرحية، وأجد أن كل هذه العناصر تتداخل وتتكافل في بناء أي إبداع موقع باسمي.
– س: ” إن مرت بكم سحابة، فازرعوا في البدء حقوقا و عدلا أخضرا لتحصدوا غلة و شجر ليرضى عليكم البشر.. أهي دعوة للإصلاح؟ أم أنكم تحاولون أن تقولوا بأن العدل أساس كل شيء؟
– ج: دعوة للإصلاح؟؟؟؟ (يضحك) لا، لا بتاتا، ليست دعوة للإصلاح على الإطلاق، هذا المصطلح دفع المغاربة ثمنه غاليا مع حكومة القنافذ، إذ كان الإصلاح شعارهم بدءا، فأفسدوا ما كان صالحا قديما، لسنا بحاجة إلى إصلاح وترقيع، نحن في أمس الحاجة إلى نهضة شعبية وليست ثورة شعبوية، لا بد من قطع الطريق أمام كل من يلهث نحو القبة ليقضي مآربه ويتبول بعدها على الشعب. أضحكني كثيرا ذلك المشهد الكاريكاتوري، حينما تسابق من جلد الأساتذة بالأمس في الطرقات وأسرع إلى الصفوف الأمامية ليصلي صلاة المطر: تمنعون شعبا من السفر وترفعون أكفا تطلبون من السماء المطر….
– س: أعود و أقول لماذا تقفون شامخين بجانب الأساتذة المتدربين…أستاذي، كتبتم و سجلتم أكثر من 5 قصائد تصفون الظلم و الحيف الذي تعرضوا له هؤلاء و أنتم تدافعون عنهم و تحثهم على المضي قدما في استرداد حقوقهم؟
– ج: أنا أقف بجانب الأساتذة المتدربين، بدافع الغيرة على المعلم في هذه البلاد، ثم لا جدال في عدالة ملفهم، والواضح أن الحكومة منذ توليها زمام الأمور وضعت الأستاذ تحت المجهر، كأنه سبب المصائب، والسؤال ماذا وفرت الدولة للأستاذ لتحمله المسؤولية، لماذا عجز رئيس الحكومة عن فضح المفسدين الكبار، ولماذا تغافل عن الأجر الذي يتقاضاه مديرو الصناديق السوداء في المغرب؟ لماذا جبن عن وقف الريع، واستكان وقال: عفا الله عما سلف؟ إذن فالأستاذ هو الجدار القصير والمشجب الذي يعلق عليه فشل تسييرهم، (رابت الصومعة علقو المعلم) في بعض الأحيان يراودني إحساس بأن رئيس الحكومة، مقتنع بعدالة الملف، ولكنه رفض في البداية وأقسم بعد الرفض، فتحول الأمر إلى قضية غالب ومغلوب، ناسيا أنه في منصب لخدمة الشعب، وهذه الممارسة لا تدل إلا على شيء واحد وهي علامات من أعراض “المراهقة السياسية” والحل أن يعودوا إلى الفصول ليتعلموا أبجديات التسيير من جديد.
– س: هل يمكن أن تشنفوا مسامعنا بما استجد من قريحتكم الشعرية، أستاذي؟
– ج: قصيدة من خشب
انا خشبي اكتب قصائد من خشب.
أنا عدمي، لي أعين لا ترى إلا العدم.
أنتم ساساتنا حكومة
أزمة قنافذ
أمة شرذمة
فترة عصابة مدة،
وتنقضي…
أنا ملئ أفواهكم
ما تدعون
لن تقرؤا عني تفاهات تشتهونها
ورب العرش،
لن تغنموا بتصفيقة تعشقونها
ملئ عقيدتي تافهون لكم تدبير من دبر
أنا خشبي لا ألين.
أنا عدمي من طين.
أنا خارج، وكنت قبل من الداخلين.
واليوم ملئ ماتدعون،
أصيح: لكم دينكم ولي دين.
أنا خشبي لا ألين.
أنا عدمي من طين….
هناك بعض الكلمات التي أريد أن أسألكم عنها قبل أن نختم هذا اللقاء أستاذي:
– س: المرسومين المشؤومين؟
– ج: هما مرسومان مشؤومان وكفى بهما وصفا حقيرا.
– س:المدرسة المغربية؟
– ج: المدرسة المغربية بهرجة في التدبير، وزخرفة في البرامج، وتنميق في تسمية المشاريع، وتبذير في الميزانيات، وداخل المدارس معاناة أستاذ فقير، وتلميذ يقاسي على طاولة من قصدير… والرباط يبدع في المواويل ويرقص على أنغام الموازين.
– س: الأساتذة المتدربون؟
– ج: الأساتذة المتدربون، شخصيات السنة بلا منازع، أهل قضية عادلة، آمل أن يتكافلوا وتدوم لمتهم، وأن يكونوا بحق جيل التغيير المدافع عن شرف المدرسة المغربية العمومية، قد يطول ملفهم، ولكن ما ضاع حق وراءه مطالب. تحية العز والمجد والكرامة لكل الأستاذات والأساتذة المتدربين.
و في الختام ألف شكر لكم أستاذي الكريم على هذا اللقاء الشعري الذي نتمنى أن يتكرر مرة أخرى مع أستاذ و شاعر و فنان مسرحي موهوب مثلكم.