لقد ساهمت الظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية في ظهور الزوايا والأضرحة بالمغرب ، وذلك منذ مطلع القرنين الخامس والسادس للهجرة، فكان لدولة بني مرين دور هام في تطوير أشكال البناء الهندسي لهذه الزوايا ، كيف لا وهي السباقة لتطور فن المعمار المغربي،ومع توسع نفوذ الدولة السعدية والتي دفعت بها القبائل نحو الحكم إبان الحرب مع الإبيريين على الثغور المغربية،أنظر كتاب الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى للناصري،ومع امتداد هذه الزوايا باعتماد الطريقة الشرفاوية، عبر الجبال والسهول امتدت أيضا الطريقة الجزولية بواحة وادي درعة، وإذا تتبعنا شريط وادي درعة نجد الزوايا منتشرة في كل مكان لها تاريخ قديم،غير أن الملاحظ وجود عدة أضرحة مهملة التاريخ والعناية ، إذ نجد الكتابات عنها قليلة.
إن تنامي الزوايا صحبه أيضا تنامي الأضرحة بحيث نجد في كل دوار تقريبا ضريح، بما يشبه علاقة التأثير والتأثر، إذن فالساكنة تجد نفسها أمام الأضرحة تحتك بها بشكل مباشر، لكن تاريخها ظل مطموسا،ولذلك وجدت نفسي أطرح عدة أسئلة حول علاقة الناس بالأضرحة،مستحضرا كل ما علمته عنهم،بمختلف جوانب هذه المعرفة الحقيقية والغيبية،أو الميتافيزيقية ما وراء الطبيعة.
علي في هذا المقال أن أرتدي جبة المؤرخ متخلصا من كل إديولوجية لكي أزيل الغبار عن بعض الحقائق والشبهات التي نسجت حول الأضرحة من قبيل الكرامات وغيرها، أو التقرب الروحاني ، نقول والله أعلم إن الأضرحة ارتبطت بالمعتقد الديني القريب من التصوف ، إنها محاطة بشيء من التقديس وذلك واضح من خلال أشكال بنائها،
سأخصص هذا المقال للحديث عن معلمة سيدي صافو أو سافو أو الصافي التاريخية الموجودة ببني زولي، وذلك بعد أن قمت بتقصي خبرها لسنوات من أحد شيوخ المنطقة أو من الذاكرة الشفوية ، مستحضرا بذلك المؤلفات عن المنطقة، لكنني لم أجد إشارة للضريح لا في كتاب الرحلة الدرعية المعروف للمهدي الصالحي بن علي ، طبعة 2008، ولا في أية موسوعة أخرى، ولا حتي برنامج أمودو الذي زار المنطقة ولم يزر المعلمة.
أغلب الناس إن سألتهم قد ينكرون أن هناك شخص مدفون هناك، لكن قصة سيدي الصافي تكذب الفرضية،هنا أستحضر ما قاله شيخ المنطقة رحمه الله، يقول بأن هناك رجل صالح شغف بطلب العلم، وكل يرحل من قبيلة لأخرى لتلقيه، إلى أن وافاه أجله فدفن هناك،ولأنه كان عندهم مشهورا بالصلاح والوقار أعظموا ذكره ومنزلته، فبنوا له هذه القبة ، فكان هذا المكان يقصده عابري السبيل للمبيت ، قبل أن يتخذه ضعاف الإيمان مرتعا للتقرب وذبح القرابين وهذا من بدع الجاهلية المنهي عنه صراحة في الدين الإسلامي.
وفي أيام عيد المولد النبوي كان هذا الضريح يستقبل أهل القبيلة ،فيجتمع الناس ، حوله مستحضرين الماضي، أما هذا التقليد فقد ترك منذ أن وعى الناس خلال نهاية تسعينيات القرن الماضي ، وكان الناس قديما يقومون فيه بما يسمى تقليد ” المعروف” ، ويقوم على اجتماع القبيلة وطبخ الكسكس واللحم وتوزيعها على المساكين والفقراء باعتماد التفكير القبلي طبعا.
،لقد ظل هذا الضريح التاريخي يصارع الزمن، إلا أنه ظل مخفيا ولم يزره السياح، وقد تعرض للحفر والنبش من مجهولين خفية على مدار العشر سنوات الأخيرة، وقد تم إعادة ترميم الضريح ، غير أنه اليوم هوي جانب منه بفعل التساقطات المطرية والإهمال، غير أن قبته لا تزال صامدة،
إن ما ندعو له اليوم ليس إعادة إحياء تقاليد الماضي في الضريح أو إعادة التجمعات أو العادات الجاهلية، بل ما نلتمسه هو أن يتم حفظ المعلمة لأنها جزء من تاريخنا ووجداننا ، أو إعادة ترميمها إسوة بما يفعله الغرب والذي يحفظ تاريخه وأمجاد سابقيه بل يبحث عن تاريخه في مستعمراته، بل لم لا تكون المعلمة قبلة للمخرجيين السينمائيين، والكل شاهد على نجاح الفيلم الروسي الذي صورت أحداثه في قصر بني زولي.بل إن عزوف السياح عن زيارة المنطقة سببه الإهمال الذي تعرفه مناطقها من طرف سكانها.
وأخيرا فإن الأجيال تتعاقب وتتبابع، والتاريخ ماضي أمام أعيننا، فيظل الضريح علامة لزمن ولى، زمن الشيوخ والقبائل والزوايا.
الحسين أيت بها
أستاذ باحث