الأربعاء , يناير 15 2025
أخبار عاجلة

زاكورة.. مدينة تصارع من أجل الحفاظ على هويتها

مزيج من التقاليد والعادات، أثار من القصور والقصبات والواحات، موروث ثقافي تميزت به زاكورة درعه عن باقي المجتمعات منه ما تم اختفاءه، وأخر ما يحتضر، وأخر لازال يصارع البقاء. زاكورة مدينة النخيل والواحات، القصور والقصبات، حيثما سرت في أزقة وقرى المدينة تطاردك الأصالة بألوانها وكأنك في عصر آخر يظهر المشهد المهيب، عالم ملئ بالتقاليد والعادات التي لا تبرح فضاءات المدينة، قصبات تطل على أروع الآثار التي لطالما جذبت ريشة العديد من الرسامين، والفنانين الذين استلهمهم نخيل واحاتها الأخضر المرصع بالتمور، ووادها الممتد على مسافة أكثر من 200 كلم وراء سلسلة جبال الأطلس من اكدز إلى محاميد الغزلان ومن جبل صغر والى ضفاف الصحراء.

«اللي ما سمع كبيرو الهم تدبيرو»

وأنت تطل من فوق منصة واحة زاكورة درعه بقصر تسركات تثير انتباهك لوحة مبهرة لنخيل الواحة الكثيف بأعمدة دخان الطهي الصاعدة من مطابخ قصور الواحة منذ الساعات الأولى من الصباح الباكر، فأفق الواحة طلق ووجهها قد راق، وكأنك أمام لوحة تشكيلية للطبيعة في ابهر حللها، الجبال والنخيل هما ثنائية الوجود بزاكورة تلك الثنائية التي حكمت التقاليد والعادات لسكان البلد، كما حكمت التنوع الإثني بين ضراوة والشرفة والامازيغ… في هذا المزيج تبقى التربية والأخلاق والاحترام سيد الموقف بين القبائل التي تحتكم وتنصع لكبارها من الأجداد والآباء وشيوخ القبائل.

حسب الروايات الشفوية فالكبار والأجداد هم المربي، الآمر والناهي داخل كل بيت وفي كل قبيلة هم من يتدخلوا في الصغيرة والكبيرة، في الطلاق والزواج بحيث يتم الاتفاق بين الآباء أو كبار القبيلة على مبلغ الصداق ووقت الزواج دون تدخل الأبناء، تقول رقية امرأة في عقدها الخامس عارفة بشؤون الحياة «كنا في ما مضى لا نعلي أصواتنا فوق أصوات آباءنا وأجدادنا ولا نخرج من البيت إلا بأمر منهم ولا يحق للفتاة أن ترفض العريس الذي اختاره لها الأب أو الجد».

 مسؤولية البيت وتولي أموره هي مسؤولية كبير العائلة رجلا كان أو امرأة، فالمرأة تقوم بتوجيه وتدبير البيت على مستوى الأشغال اليومية، وتوزيع المهام بين أفراد الأسرة في حين يتولى الأب مصاريف البيت، تضيف رقية «حتى في بيت الزوج الحماة هي التي تسير أمور البيت من تربية وطبخ وتنظيف أما الصهر فيقوم رفقة أبناءه بتولي المصروف، كانت جدتي رحمها الله هي التي توزع المهام منذ الصباح الباكر، مفاتيح كل غرف البيت بحوزتها وكل حركة بأمرها «.التربية الاحترام الحشمة، قيم شكلت نسقا متماسكا لكبار الأسر بقرى ودواوير درعه لازال البعض متشبثا بها إلى حدود الآن، خليفة رجل في عقده السابع يردد المثل «اللي ما سمع كبيرو الهم تدبيرو» كلما سنحت له الفرصة، عبارة حملت الكثير ل خليفة ولازال يتشبث بها مؤكدا على الحكمة التي تميز بها الكبار في التربية والمحافظة على الحشمة والوقار يقول خليفة «كنا ما نهزوش عنينا في الوالدين ولا في اللي كبر منا، حيت كنحترموهم وكنا عايشين في دار وحدة مع عمامي وأولادهم وجدي وجداتي والوالدين وعايشين بالتفاهم».

الأسرة الممتدة بقصور وقصبات زاكورة حسب المهتمين بشأن المحلي كان لها طعمها الخاص ووظيفتها في تربية الأبناء بالمحافظة على التقاليد والعادات، وقيم التضامن والتكافل بين أفراد الأسرة، يحكمها كبير العائلة بدستور أساسه الحشمة والاحترام والطاعة وذوبان الذات في الجماعة.

لكن ما الذي حدث في منظومة العادات والتقاليد ؟ اليوم وبحكم التطورات التكنولوجية والدينامكية التي عرفها المجتمع فقد اندثرت هذه القيم، وأصبح الصراع على أشده بين الأجيال.

علاقة جدلية بين الإنسان وبيئته

عالم من القصبات والواحات بدواوير زاكورة يعكس مدى تقارب طبيعة الإنسان وارتباطه بمحيطه، إحساس لا يفارقك وأنت تتجول بين أزقة ومنازل دوار امزرو تاكنيت العروميا تسركات… في هدوء تام متبوع بحفيف النخيل وصمود الجبال تثير انتباهك بساطة المنازل والقصبات المحصنة بأبواب خشبية تقليدية ومواد بناء لا تكاد تخرج من ما يسمى «التابوت» وهو طين ممزوج بالتبن يتم استخدامه في بناء البيوت والقصبات، أما الأسقف فهي من الخشب المستخرج من جذوع النخيل والقصب تستعمل لمقاومة تقلبات الحر والبرد، وتحمل أيام الحرارة المفرطة، مظهر خارجي للمنازل يحمل تناسقا مع أشكال الجبال والنخيل المحيطة بها، بحيث أصبحت جزاءا مكملا من وجودها.

مواد أولية نابعة من أصل الطبيعة الصحراوية تعبر عن العلاقة الجدلية بين الإنسان وبيئته وحسب سفيان الصالحي فاعل جمعوي ومجاز قسم علم الاجتماع فهذه البنايات لها وظيفة الحماية من حر الصيف حيت تشتد الحرارة فيلجأ السكان إليها لان الطين يمتص الحرارة وان كان لا يقاوم أمطار فصل الشتاء، يضيف في الآونة الأخيرة أصبح السكان يتجهون للدور الإسمنتية رغم أنها في الصيف تكون حارة وفي الشتاء تكون باردة إلا أنهم يعملون على تجهيزها بالمكيفات.

منازل طينية ممتدة على مساحات شاسعة تتوزع بين مجموعة من الغرف البسيطة لكل أسرة صغيرة أو لكل زوجين، بنيت بطرقة محبوكة تنم عن حنكة يد الصانع يتكون كل بيت من طابق وسطح للنوم أوقات الصيف، جل الأثاث يعتمد في الأساس على الزرابي التي تبدعها يد المرأة الزاكورية بوسائل جد بسيطة تؤثث بها غرف المنزل. تحكي فاطمة من دوار امزرو عن قصتها مع صناعة الزرابي قائلة «الزربية هي الفراش الأصيل عندنا في المنطقة مريح وكنخدموه بالصوفة الأصلية الحرة»

التحام العائلة تحت سقف واحد، داخل فضاء بسيط وأثاث بسيط له طعم خاص يقول بلحسن «البيت مكب العائلة الكبيرة فيه نجتمع أثناء وجبات الأكل بحيث يحضر الكل دون استثناء ويتم عزل النساء عن الرجال حتى يبقى الاحترام سائدا بين أفراد العائلة». اجتماع العائلة في كل وجبة حول مائدة واحدة وبطقوس موحدة دليل التضامن والتفاهم وإن كانت هذه القيم والتقاليد تسير نحو الاندثار في وقتنا الحالي حسب سكان المنطقة بفعل التحولات السوسيو اقتصادية، والهجرة المتكررة لشباب المنطقة التي ساهمت في تغير معالم الأسرة بفعل التأثر بالثقافات الأخرى، فأصبح كل فرد مستقل بأسرته الصغيرة في بناية إسمنتية بمواصفات عصرية وهو الأمر الذي بدأ ينتشر حتى بالقرى النائية.

إلى عهد قريب شكلت القصور تراثا معماريا أصيلا أصبح الآن في طور الانقراض منها ما انهار بشكل كلي ومنها ما هو مهدد بالانهيار، يؤكد المهتمين بالشأن العمراني بالمنطقة أن القصر هو الوحدة العمرانية التي سادت بالمنطقة، ويتألف من تجهيزات جماعية تضم المسجد ومرافقه، دار القبيلة ودار الضيافة وباب واحد محروس يتجه غالبا نحو الواحة، أما المنازل فكانت تضم ثلاثة مستويات الأول للماشية والتخزين والثاني للأسرة والثالث بنصف مغطى للضيوف والنصف الآخر غير مغطى للنوم ليلا في فصل الصيف، كما كانت شؤون القصر تدبر بشكل جماعي عن طريق مؤسسة القبيلة التي اختفت معالمها في الآونة الأخيرة. خروج السكان من القصور وبناء منازل منفردة أو مجتمعة بالقرب من الطريق الرئيسة أدى إلى اندثار هذه القصور والأبراج واختفاءها، بعد غياب هدف المحافظة عليها وصيانتها.

لباس الحشمة والوقار

الكناع الصاية الملحاف التخلال لباس تقليدي ينم عن أصالة متفردة لقبائل زاكورة الذي لازال له مكانا في كل من تزارين تاكنيت تنزولين تامكروت هذه الأخيرة كانت عاصمة اليهود في منطقة درعه آنذاك، والتي اشتهرت بقصورها وحرفي الفخار، وأكبر قبلة لزوار الزاوية الصوفية سيدي احمد بناصر، تختزل تامكروت قيم المجتمع ومكوناته ومن بينها النساء اللواتي يعبرن عن الأصالة والحشمة والاحترام المتمثل في اللباس التقليدي، وهو من المعالم التي لم تتغير نتيجة عزلة هذه المنطقة تقول عائشة « الكناع والصاية من التقاليد اللي ما تنفرطو فيهم واخا اللبسوا اي حاجة ما كاتجينا بحال الكناع والصاية ملي كنا صغار» حسب المهتمين بالتقاليد اللباس يشكل مفارقة الأجيال ففي الوقت الذي يتباهى الشباب باللباس العصري، يبقى للباس التقليدي نكهته الخاصة وجماليته لدى الأجيال السابقة، وان كان هذا اللباس قد تأثر بثقافات أخرى كاليهودية والامازيغية فلازالت النسوة يتشبثن به إلى يومنا هذا لما له من قيمة، وما يفرضه من حشمة ووقار على المرأة.

و نفس الشيء يقاس على اللباس في المناسبات خاصة مناسبة العرس إذ تتزين النسوة بالحلي التقليدية والمحلية الصنع ك «لُبان» و»الجووهر» وبعض الحلي ذات الصنع الخارجي «كنقرة». فمثل ما للمرأة لباسها التقليدي للرجل أيضا لباس تقليدي أساسه الجلباب والعمامة والخنجر و»البلغة» وهو اللباس الموحد الذي جمع بين الثقافات المتعايشة ب درعه. يقول عبد الكريم من شباب المنطقة اللباس التقليدي لازال يحضر في المناسبات العائلية والدينية، أما بالنسبة للحياة العادية واليومية فالأمر لا يتعدى بضعة رجال لان اللباس التقليدي لا يواكب الحياة اليومية بالنسبة للعمل والمهام التي نقوم بها.

سيادة اللباس العصري على اللباس المحلي كانت له أسبابه الخاصة والمتمثلة في الانفتاح على الثقافات الأخرى منها الثقافة الغربية بحكم أن مدينة زاكورة مدينة سياحية، مشيرا إلى الدور الذي لعبته السياحة في إدخال اللباس العصري إلى أوساط المنطقة، ودور الهجرة التي بدأت تعرف انتشارا واسعا بين أبناء المنطقة، وهو ما جعل الشباب يتمرد عن الضوابط الاجتماعية و التقاليد ومنها اللباس.

خبايا الطبيعة

قيمة الخير وإكرام الضيف وسمت سكان درعه إلى زمن قريب، والمتمثلة فيما تعده المرأة إذ تقوم النساء فجرا لإعداد وجبة الفطور المكونة من الخبز الساخن أو ما يطلق عليه «بخبز الشحمة» ، والحريرة المعدة بشكل تقليدي بالطهي على الخشب في مطبخ بسيط يسمى الكانون، بعدها تقوم بتنظيف وكنس الزقاق فرحا بيوم جديد، لتتوجه مباشرة للعمل في الحقل فمشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي لازم المرأة التقليدية بواحات زاكورة خاصة خلال موسم التمور. تقول نعيمة «بعد ما كتوجد المرأة الفطور لولادها كتمشي لجنانات تجيب الحطب والفصة للبهايم».

وتؤكد النسوة على العمل داخل البيت أكثر منه خارجه وذلك للسهر على تربية الأبناء والاهتمام بأمور المنزل على اعتبار أنها هي العارفة بخبايا وأمور البيت، في حين ينحصر عمل الرجل خارج البيت و ذلك بالسهر على تقليب وحرث الأرض، بالإضافة إلى تربية المواشي، عمل يعتبره العديد من سكان المنطقة بسيط تفرضه طبيعة المجال الجغرافي و القروي بالمنطقة على اغلبهم. يقول إبراهيم «ملي كنفطر كنمشي لجنانات كنبقى تما حتى ك يأذن العصر كنحضي الغنم ونخدم في الجنان هادي هي خدمتي مضيفا الشباب ديال اليوم ولاو كيسافروا اخدموا في الغرب « حسب إبراهيم العمل بالحقل هو مصدر عيش ومجال تحرك يبرز من خلاله الصحراوي العلاقة الوطيدة التي تربطه بالأرض، أما اليوم فقد تنكر الشباب لهذا العمل لأسباب مختلفة سواء تعلق الأمر بالدراسة أو العمل.

يؤكد سفيان الصالحي طالب مجاز شعبة علم الاجتماع أن اغلب شباب المناطق بزاكورة هاجروا لمتابعة الدراسة أو للعمل بمختلف الميادين التي تتيحها المدن الكبرى وهو أمر فرضته التغيرات السوسيو اقتصادية وبالتالي أصبح الشباب ملزم بالهجرة إلى المدن الأخرى للعمل وبناء المستقبل والتعرف على الثقافات الأخرى، ونتيجة انعدام فرص الشغل بالمنطقة .

 جريدة المساء.

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز

في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *