لحسن ايت ياسين
اليوم على الطريق المؤدية إلى مطار زاكورة. أثار انتباهي منظر شجيرات الزيتون الذابلة واليابسة على طول الطريق. كنت أمر فيما مضى من هنا. أراقب نمو الشتلات منذ غرسها وهي تسمو ببطء لعدم انتظام السقي. لكني كنت موقنا بأنها ستصبح أشجارا مستقبلا. وستتشابك الأغصان من الجانبين وتنشر الظل والحياة في هذا القفار . ستأتي العائلات لتناول غذاء السبت أو الأحد تحت ظلالها. سيصنع أطفالنا أرجوحة من أغصانها. سيجد العابرون تحتها نقوشا من أسماء وقلوب على جذوعها… ستقول درعة للعالم بأني واحة زيتون في الأصل قبل زحف النخيل. سنشعل نارا تحتها نتدفأبها في ليالي الشتاء القارسة ونسهر على نغمات ناي عتيق غير مبالين بأضواء السيارات العابرة. سنهرب إليها كلما اشتدت الحرارة في الصيف نهارا وليلا. ستأتي طيور كثيرة لتستقر في طريق الزيتون وأخرى مهاجرة ستأوي إليها كمحطة استراحة من تعب الرحلة. ستكون هذه الأشرطة الأربعة من أشجار الزيتون آخر شيء يودع به أبناء زاكورة المهاجرين بلدتهم ، لعل بعض الخضرة تعلق في أذهانهم تنسيهم قساوة الطبيعة من نذرة ماء وزحف للرمال وجفاف. ستبعث في قلبهم أملا بأن جيلا في هاته البقاع سيملأ العالم أشجارا وأزهارا وفرحا بقدوم غد أفضل. سيلتقطون الكثير من الصور يتقسامونها مع أحبتهم. وستنتقل عدوى الزيتون إلى باقي أنحاء الواحة الجريحة. ستوقف نزيفها لتسطف أشجار النخيل والزيتون على طول الوادي.
اليوم عندما رأيت الشجيرات وقد كبرت قليلا أكثر مما كانت عليه. لكنها يابسة بلا روح. وأوراقها تأبى السقوط شاهدة عن ٱخر أوراق التوت التي سقطت عن جماعة “الرعاون “التي تترأس المجلس البلدي.
لم تمت لأنها في الخلاء وحيدة
لم تمت لأنكم أوقفتم سقيكم لها
لم تمت لأن السماء شحيحة الغيث
بل ماتت لتكشف أننا في بلاد مثقوبة القلب. فآلاف الشاحنات المحملة بأطنان الدلاح تمر بمحاداتها يوميا، لنصدر مياهنا إلى بلدان العالم. لكننا لانتوفر على قطرة ماء نروي بها شجرة على قارعة الطريق…