سرينة حمراء اللون، أعلى سيارة ضخمة ، بباطنها مضخة مياه وعلى متنها أفراد بالخلف وفوقها خرطوم سرعان ما يتم فرده، تمشى السيارة بأقصى سرعة، يخرج من تلك السرينة صوت مرتفع، لكى تنبه أن هناك خطرًا واقعًا فى مكان ما ولابد من الوصول إليه، حتى تتمكن من إخماده، ليقوم الجميع على الفور بالاستجابة لذلك النداء وإفساح الطريق، وسرعان ما نشاهد أفرادًا عند الوصول بالنزول منها فى أسرع وقت للقيام بعملهم دون تردد.. إنهم رجال الوقاية المدنية.
ويعد رجل الوقاية المدنية، جنديًا فى ساحة مختلفة فى نوعها وأشد خطراً عن ساحات المعارك، والتى تشهد نزالاً بين البشر وبعضهم البعض، ولكن مهمة هذا الجندى أصعب بمراحل لأن عدوه ليس إنساناً وإنما هو نيران أو قنابل أو مبان مهدمة يجب أن ينقذ أرواحاً كثيرة من أسفلها.
رجال تخشاهم النيران والأمواج, يحرصون على حيات الآخرين أكثر من حرصهم على حياتهم الشخصية, قد يتعرضون للإصابة أو الشهادة, ومع ذلك لا يتأخرون عن القيام بمهامهم وواجباتهم فى مواجهة الصعاب, ولا يمر يوم إلا ونسمع عن اندلاع حريق سواء فى شقة سكنية أو محل تجارى أو ربما شركة أو مصنع كبير، وتم إخماده على الفور، وذلك بمجرد وصول رجال الإطفاء او الوقاية المدنية، دون معرفة كواليس ما قام به الجندى المجهول من أبطال تلك الحماية وما يتعرضون له أثناء إخمادهم لألسنة اللهب والنار المشتعلة فى جميع الأركان.
تاريخ لا ينسى
يعود تاريخ أوّل مجموعة من رجال الإطفاء إلى عام 24ق.م، فى زمن الإمبراطور الرومانى (أغسطس)، وقد أُطلِقَ عليهم آنذاك اسم الحُرّاس (watchmen )، وكُتِبت لهم لوائح؛ لفَحص، ومَنع الحرائق، حيث كانت وظيفة الحُرّاس تبدأ بقَرع ناقوس الخطر كإنذار للمنطقة التى يتعرّض أحد أبنيتها للاحتراق، وكانوا يستخدمونَ الدلو كأداة رئيسيّة؛ لنَقْل الماء فى عمليّات إخماد الحرائق، والفأس؛ لصُنع فتحات تسمح للحرارة، والدخان بالخروج من المبنى المُحترِق.
وفى عام 1648م، تأسَّست أوّل دائرة إطفاء عامّة فى أمريكا الشماليّة، وكانَ يُطلَق على رجل الإطفاء آنذاك لَقب حارس النار (fire wardens )، وفى عام 1666م، أُسِّسَ أوّل فريق للإطفاء من قِبَل شركات التأمين الخاصّة بعدَ الحريق الكبير الذى حدثَ فى مدينة لندن، وقد كتبت مدينة إدنبرة فى اسكتلندا أوّل معايير أساسيّة حديثة؛ لتشغيل قسم مكافحة الحريق عام 1830م، علماً بأنّه لم يصبح لرجل الإطفاء راتبٌ حكومى مُحدَّد، ولم تتكفَّل الإدارة البلديّة بالمَعدّات اللازمة لمَحطّات الإطفاء فى أمريكا إلّا فى أواخر القرن 19م.
مَهامّ رجل الإطفاء
لا يقتصرُ عمل رجل الإطفاء على مكافحة الحرائق فقط, فهو مسئول عن مجموعة كبيرة من المَهمّات التى تُطلَب منه، سواء فى موقعِ الحريقِ أو أى حالةٍ طارئةٍ أخرى، ومن أبرز المَهامّ التى يمارسُها رجل الإطفاء: مُمارَسة عمليّات الإنقاذ اللازمة للأشخاص العالقين داخل المبانى المُتضرِرة من الحريق، وذلك بالبحث عنهم، وتولِّى عمليّة إخراجهم سالمين.
تقديم الرعاية الطبيّة للأشخاص المُتضرِّرين من الحريق, التحقيق فى الحرائق, لمعرفة أسبابها، وخاصّةً فى حالات الحرائق الجنائيّة التى يُشتبَه بوجود مُتورِّط فيها.
مهارات رجل الإطفاء
تعَد وظيفة رجل الإطفاء من الوظائف السامية، والتى تجعل ممن يمارسونها أبطالاً قوميين حيث تتعد تلك المهام والتى منها:
مهارات جسديّة, تتمثل فى القوة البدينة للقدرة على حمل السلالم والمعدات الثقيلة التى يتراوح وزنها ما بين 80 و 100 رطل.
القدرة على التسلُّق: حيث يتسلَّق رجل الإطفاء أماكن مرتفعة فى عمليّات الإنقاذ, بجانب خفّة الحركة؛ فالسرعة فى التنقُّل إحدى المهارات الضروريّة فى عمليّة إخماد الحرائق, تحمُّل الضغط؛ وذلك لأنّ رجل الإطفاء يجب أن يكون موجوداً على مدار 24 ساعة فى محطّة الإطفاء؛ استعداداً لأى نداء.
مهارات تقنيّة.
تعتبر المهارات التقنية من المهارات التى لا بد أن يمتلكها رجل الإطفاء, والتى منها المقدرة على استعمال المَعدّات، وتشغيل الأجهزة المختلفة، والضروريّة فى عمليّات إخماد الحرائق، والإنقاذ، المقدرة على التعامُل مع الحالات التى يحدث فيها تسرُّب، أو انسكاب لموادّ خَطِرة ومعرفة تفاصيل المباني، كأماكن وجود مصادر المياه، والأسلاك الكهربائيّة وغيرها.
المخاطر التى يتعرض لها رجال الوقاية المدنية.
دائمًا ما يتعرض رجال الوقاية المدنية، للعديد من المخاطر دون أن يشعر بها الآخرون, أثناء تأدية عملهم, وواجباتهم المختلفة, حيث أنهم يتعرضون لصعوبات ومنها أضرار جسمانية ونفسية تحدث لفرد الوقاية المدنية, نتيجة العمل فى ظروف ملوثة والقيام بأعمال شاقة مثل إطفاء الحرائق المختلفة وما ينتج عنها من درجات حرارة عالية مشبعة بالغازات السامة, بجانب البحث والتفتيش والبحث بين الأنقاض, وأيضًا خطورة الانهيارات أثناء العمل فى الأبنية المتضررة, وتسرب المواد المضرة بالصحة أثناء معالجة الحوادث الكيمائية والتعرض للإصابات بفعل العدوى من الأمراض المعدية أثناء إسعاف المصابين.