الجمعة , يوليو 4 2025
أخبار عاجلة

عبد اللطيف حاجي يكتب: زاكورة بين زمنين

ما إن وجه وزير الداخلية مراسلة إلى الولاة والعمال بأقاليم المملكة لاتخاذ التدابير والاجراءات الوقائية ضد فيروس “كورونا”، ومنع جميع التظاهرات التي يشارك فيها أكثر من 1000 شخص، حتى اطلعت على خبر لدى صديق لي في الفايسبوك يعلن فيه تعليق مباريات دوري البراعم بتنسيفت، كتبت تعليقا للصديق على النحو التالي “زدتو فيه”، فأوضح لي أنه توجيه من السلطات المحلية، واتفقنا على أن في هذا القرار ما يبعث الرعب في نفوس الأطفال بالمنطقة، خصوصا وأن هذا الدوري في أحسن الأحوال لن يتجاوز عدد المشاركين فيه ال 200.

ما جعلني أكتب هذا التعليق “زدتو فيه” ما أعاده إلى ذهني، في زيارة فصلية لي خلال سنة ماضية إلى قريتي، ذهبت لأكدز كالعادة وزرت بائع الزيتون والتوابل بسوق أكدز (المارشي)، وقد تعودت على ذلك لأن لنا معه ذكريات كتلاميذ درسنا بأكدز، وهو شخص من ذوي الإعاقات، نموذج على الاجتهاد والمثابرة لكسب قوت يومه، في تلك الزيارة بدأ يحكي لي والدموع في عينيه عن مرور السلطة المحلية بمحله والعثور على “أكياس البلاستيك” فقاموا بتغريمه مبلغا ربما لا يمكن أن يربحه في أشهر، فغضبت ليس من منطلق تطبيق القانون، ولكن لأنني من قاطني وسط المدينة بالدارالبيضاء آنذاك، ومعظم المحلات التجارية لا زالت تبيع في الأكياس البلاستيكية، واستغربت كيف أن السلطة المحلية في منطقة نائية ومع شخص يفترض التعامل معه بمقاربات مختلفة من بينها “الزجر” أولا، تطبق قانونا لا تحترم فيه روحه (روح القانون)
اليوم مع الإجراءات التي دعت إليها الحكومة للحد من انتشار فيروس كورونا، أتابع أخبارا من البلدة، وأنا جد فخور بالانضباط والوعي العالي الذي أبان عنه الناس هناك، ولكن عندما أردت إخضاع الأمر لقليل من التأمل، خرجت بالعنوان أعلاه “زاكورة بين زمنين”.

في زاكورة، وخصوصا قراها، هناك فصل بين زمن “المخزن” وزمن “الناس” (لا أريد أن أسميه زمن القبيلة لأن معالم القبيلة غير واضحة فيه)، زمن “المخزن” تمثله قرارات السلطة، عمل الإدارات، المؤسسات العمومية، ويتجلى ذلك مثلا في موضوع “الساعة الصيفية” التي أصبحت “ساعة إضافية” للتوقيت المغربي، حيث أن الناس يتمسكون بالساعة التي وجدنا عليها أباءنا، تحدثهم عن الوقت فيخبرونك “ديال الدولة الرابعة وديالنا الثالثة”، يخضعون لزمن “المخزن” في كل ما يتعلق بعلاقتهم بالدولة، ولكن فيما يتعلق بالعلاقات فيما بينهم، هناك زمنهم الخاص، الذي هو “زمن الناس”، وبالتالي عندما يصدر أي قرار عن الحكومة في كل ربوع المملكة، ستجد ساكنة القرى أول خاضع له بتوجيه من أدنى سلطة، ومن بينها القرارات الأخيرة، لأن ذلك يعبر عن علاقة بالدولة، لا يمكن أن تجد خرقا إلا فيما يتعلق بما يعتبره الناس مجالهم الخاص، وحتى نوضح بعض المجالات التي يعتبرها الناس مجالهم الخاص، يمكن الإشارة إلى موضوع “الأراضي السلالية”، كل قبيلة تعتبر أن “زمن المخزن” لا يمكنه تدبير هذا المجال وفق أعراف “زمن الناس” الذي له خصائصه، فإذا لم يتوافق “زمن المخزن” مع “زمن الناس” في هذا الموضوع، ستجد مجالا للخروقات متسعا.

فقرارات مثل “الحجر الصحي” التي يتطلب المغرب أعلى يقظة لها في المدن التي تعتبر مجالا قابلا لانتشار الفيروس أكثر من القرى، ستجد الناس في قرى زاكورة أكثر انضباطا للقرارات، لأنها قرارات لا تدخل في حيز “زمنهم الخاص” ولا تشكل أي ضغط عليهم.

فهم هذه الثنائية في المجال القروي، وخصوصا بزاكورة، يمكن أن يجعل المتدخلين في معظم المجالات مستوعبين لأنواع الحملات التي يجب أن تصاغ في المنطقة بمجموعة من المواضيع، مثلا “زواج القاصرات”، “تشجيع تعليم الفتاة القروية” الخ، وهو الأمر الذي دفعني إلى التأمل في هذا الموضوع من أجل فهم واضح لذهنية التفكير في هذه المناطق، وهو أمر يتطلب المزيد من البحث والتحليل بكل تأكيد، وما هذه إلا شذرة هدفها الرغبة في الفهم وإضفاء المعنى على سلوكات الناس في مناطقنا هذه.

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز

في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *