بقلم: زايد الخديم
في قلب منطقة أيت واعزيق، حيث تتناثر النقوش الصخرية كوثائق صامتة تروي فصولًا من تاريخ الإنسانية القديم، شُيد متحف للنقوش الصخرية ليكون منارة ثقافية وعلمية تبرز هذا الإرث التاريخي، وتجعل منه مصدر فخر للمنطقة وأهلها. المشروع لم يكن مجرد بناء عادي، بل كان خطوة واعية من الدولة للاستثمار في تراث غير مادي يُعتبر ثروة وطنية وإنسانية.
لقد حظي هذا المتحف بتدشين رسمي في حفل حضره السيد عامل الإقليم، في مشهد حمل دلالات عميقة على التزام الدولة بحماية التراث وتشجيع البحث العلمي والسياحة الثقافية. لكن، ومنذ ذلك التدشين، بقيت أبواب هذا المتحف موصدة، وهو ما يدعو للتساؤل حول الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع المثير للدهشة والاستياء على حد سواء.
الدولة حينما اختارت بناء هذا المتحف، لم تكن تنفق المال العام من باب التبذير أو لإتمام مشاريع شكلية، بل كانت تسعى لخلق رافعة حقيقية للتنمية المحلية، تستمد قوتها من استثمار ذكي في التراث الثقافي. المتحف كان ليكون وجهة للباحثين والزوار من مختلف بقاع العالم، ليس فقط للاستمتاع بجمال النقوش الصخرية، ولكن أيضًا لفهم تاريخ البشرية الممتد عبر آلاف السنين. فهذه النقوش ليست مجرد زخارف حجرية، بل هي شواهد حيّة على حضارات غابرة، تجسد صراع الإنسان مع الطبيعة وتكيفه مع بيئته.
إبقاء المتحف مغلقًا بعد كل هذا الجهد يطرح أسئلة حارقة لا يمكن تجاهلها. لماذا لم يتم تشغيله بعد؟ هل يعود الأمر إلى مشاكل تنظيمية؟ أم إلى غياب الموارد البشرية المؤهلة؟ وهل كانت هناك خطة واضحة لتسييره منذ البداية؟
إغلاق المتحف لا يمثل فقط خسارة للمنطقة وسكانها، بل هو إهدار لإمكانية استغلاله كأداة لتحريك عجلة التنمية. تخيلوا كم كان بإمكان هذا المتحف أن يخلق من فرص عمل للشباب المحليين، وأن يُسهم في إنعاش السياحة بالمنطقة، التي طالما عانت من التهميش. إن ترك هذه المنشأة المهمة مهجورة يبعث برسالة محبطة للسكان الذين كانوا يرون فيها نافذة أمل للتغيير.
لا بد أن نتذكر أن الاستثمار في التراث لا يقتصر على البناء فقط، بل يشمل أيضًا تشغيله، صيانته، واستثماره بطرق ذكية تعود بالنفع على الجميع. فتح المتحف يستدعي إرادة قوية من الجهات الوصية، ويستلزم إشراك المجتمع المحلي والجمعيات الثقافية، التي يمكن أن تكون شريكًا فاعلًا في إدارة المتحف وتنظيم أنشطة تعليمية وسياحية تُبرز قيمة النقوش الصخرية.
هذا المشروع لم يكن ليُبنى إلا بإرادة قوية من الدولة ورؤية تنموية مستنيرة. لكن هذه الرؤية ستظل ناقصة إذا لم يتم استكمال المشروع عبر تشغيله وفتح أبوابه أمام العموم. المتحف يمكن أن يكون نقطة انطلاق لتحويل أيت واعزيق إلى مركز ثقافي وسياحي يضاهي المناطق التاريخية الكبرى في المغرب، لكن ذلك لن يتحقق ما دامت أبوابه مغلقة، وأهدافه معطلة.
ختامًا، لا يسعنا إلا أن نجدد دعوتنا للجهات المسؤولة للتعجيل بفتح المتحف وتشغيله وفقًا لرؤية تستثمر في التراث كرافعة للتنمية المستدامة. فهذا المشروع لم يُبنَ لتزيين المنطقة، بل ليكون شاهدًا على تاريخها ومصدر فخر لأجيالها القادمة.