نبارك أمرو
كثيرا ما نثير عبر شبكات التواصل الاجتماعي معيقات التنمية المتفرقة بجهة درعة تافيلالت، وكثيرا ما نوجه أصابع الإتهام للقائمين على تدبير الشأن العام بمختلف أقاليم جهتنا الغنية- الفقيرة، من مسؤولين ترابيين وممثلي القطاعات لوزارية وممثلي الأمة بالمؤسسة التشريعية بغرفتيها ولممثلي الساكنة بالجماعات الترابية جهويا وإقليميا ومحليا.
وكثيرا ما نناقش نجاح بعضنا البعض ونناقش نجاح أقاربنا وأبناء الجهة عامة، خاصة في ميادين العلوم والبحث، وأيضا في مجالات المال والأعمال، وكثير منا يتساءل عن أي دور أو أي تأثير لنجاح هؤلاء على التنمية الترابية بمختلف أقاليم الجهة، ونختلف بين مؤيد ومعارض لهذا السؤال الذي يطرح أحيانا بحسن نية وفي أحايين أخرى استهزاء ممن يكتب أو ينشر أو يتحدث عن نجاح أبناء جلدتنا من فقراء وبؤساء الأمس..
وهنا لا يختلف إثنان أن أي ناجح لا يمكنه سوى المساهمة بطريقة أو بأخرى في إرساء أسس البناء التنموي الترابي سواء على المستوى المحلي وسط الحي أو الدوار أو وسط المركز الترابي أو الإقليم الذي ينتمي إليه، عبر مختلف القنوات المخولة لها دستوريا وقانونيا وعرفيا أيضا، عبر باب الجمعيات المدنية أو المجالس المنتخبة أو عبر مختلف قنوات التنشئة الإجتماعية كمؤطر أو ككاتب أو كحقوقي يدافع عن حق الناس في التفكير وفي المعلومات وفي الحرية أيضا..
سبب نزول هذه المقالة، التي لا أريدها أن تخضع لأي منطق من مناطق الضوابط المتعارف عليها في الكتابة، بل أخضع عبرها لمنطق أن ما أؤمن به لا يمكن أن يعطي أية نتيجة ما لم أحرره وأضعه رهن إشارة الرأي العام، على الأقل لاستفزاز أفكار شريحة تفكر وتقرأ وتستطيع تقديم تصورات أعمق وتقوم شطحات أفكاري خدمة للهدف الموحد الذي نفكر ونناقشه جميعا، والذي لا يتجاوز إنقاذ ما يمكن إنقاذه في جهة لم نكون مكتوفي الأيدي قبل عقد مضى كانت فيه شريحة عريضة ممن يؤمن بأن كل شيء ممكن ينادون بحقنا في جماعة ترابية تحمل إسم درعة تافيلالت..
بيد أن هناك سبب ثاني، وهو بالنسبة لي يعتبر مربط الفرس، ويتجلى في أن ضعف إيماننا بأن مجالات الثقافة والفن والثرات والرياضة والترفيه فرص تتوفر لدينا وبإمكانها أن تحدث ثورة تنموية وتساهم في نموذج اقتصادي جهوي كفيل بنفض الغبار عن درعة تافيلالت، رغم أن الذي عليه أن يسحب اعترافه بضعف إيمانه بهذا الطرح هم من يدبرون الشأن العام أولا..
كعادتي وفي إطار الحق في التعبير الذي أؤمن به وتحصنه إلى حد ما المهنة التي أزاولها حاليا، لا أرى حرجا في التعبير عما يخالجني منذ سنوات كلما تابعت مقابلة للفريق الوطني المغربي، كما يتابعها جل المغاربة، والكل يشجع اللاعبين يوسف العربي وعزيز برادة وعبد الحميد الكوتري وعبد السلام وادو وأدم ماهر ويونس عبد الحميد وعبد الكريم باعدي ومحمد أوناجم، وكلهم، باستثناء هذا الأخير، ينتمون لإقليم تنغير أمنوا بواجب حب الوطن، وحملوا القميص الوطني، متجاهلين إغراءات جامعات الكرة بالدول التي ولدوا أو ترعرعرا بها، دون أن يعي من يدبرون الشأن ومعهم من يمثلون الناس بالحكومة و بالبرلمان والجماعات الترابية ومهم كذلك من يستفيدون تحت مظلة التنشيط الثقافي والرياضي من الدعم العمومي، دون أن يعي هؤلاء المسؤولون أن من حمل القميص الوطني المغربي في جميع الرياضات شأنه شأن من حصل على لقب عالمي في البحث العلمي أو في ميدان المقاولة أو في مجال الفن..
وأنا أحرر هذه المقالة، تبادر قصة للا تودة، التي اكتشفت قبل نحو سبع سنوات أنها أول ملكة جمال للورورد سنة 1962، ونشرت حول نجاحها ومعاناتها مقالة من جنس “البورتريه” على موقع هسبريس، وبعدها حين كتبت قبل سنتين عن معاناة عزيزة الراجي العداءة العالمية التي حصدت أزيد من 50 لقبا ولا تزال تعدو وراء تذكرة سفر، كما عنونت تقرير لوكالة الأناظول الدولية حول الراجي، وأنا أقول لماذا لا أصادف في جنوبنا الشرقي سوى قصص معاناة الناجحات والناجحين، ولماذا لا يستثمر في جعل غنى الموروث والرأسمال اللامادي لهذه الجهة في اتجاه خلق الثروة، ولماذا نظل أوفياء فقط لأسطوانة الإفلاس في كافة المجالات، ونحن نتحدث عن جهة غنية بثراواتها الباطنية والبشرية،،و غنية بجمالها وجمالها، وبجبالها ورمالها، وصامدة برجالاتها وحرائرها؟
وقبل أن أختم، سأعود للاحتفاء بسفرائنا فوق العادة، الذين لو نجحنا في حسن التواصل معهم، ولو قمنا عبر مختلف القنوات الرسمية ،غير الرسمية بما يلزم اتجاه هؤولاء لنجحنا إلى حد كبير في صناعة نموذج تنموي رياضي اقتصادي نرفع به رأس جهتنا التي تتخبط أكبر مؤسسات سياسية لها في تعثر أول تجربة للبرلمان الجهوي جراء سوء التدبير من جهة، وضعف إبداع “الكفاءات “ التي تمثل المواطنات والمواطنين داخل
أجهزته.
ولابأس أن أذكر بمبادرتين منفصلتين لكل من عبد السلام وادو “اللاعب الكبير” الذي مول بناء مركب سوسيوثقافي بمسقط رأسي بلدة أزقور ضواحي ألنيف ،تمويل مشاريع مماثلة ببلدة أكدال ضواحي إملشيل بميزانية إجمالية تناهز 10 ملايين درهم. وبعده مبادرة عزيز برادة “ اللاعب المؤذب” الذي سبق أن أعلن عن عزمه إحداث مدرسة لكرة القدم بمسقط رأسة “دادس”، رغم ضغف إيمان من يحملون على عاتقهم واجب خدمة الوطن والمواطنين وعلى رأسهم من تعاقبوا على قطاع الشباب والرياضة بمختلف أقاليم الجهة، لا يَهُمُّهُمْ سِوَى مَا يَهُمُّهُمْ وَهُو هَمُّهُمْ وَهَمُّ مستقبل فلذات أكباذهم..
فمتى نؤمن إذن، من خلال لعبة الفقراء بدور نجوة كرة القدم، ونؤمن بالعدائيين والملاكمين والفنانين والإعلاميين، من أبناء الجهة، في المساهمة في تنمية مجالاتنا الترابية، ومتى نجعل من الرياضة، وباقي المجالات، ورشا للنموذج التنموي الجهوي الجديد ينفض الغبار عن مجالاتنا الترابية ؟
نبارك امرو صحافي – عضو المجلس الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية