أحمد العمري
في عز استقبال صاحب الجلالة نصره الله للبابا وإلقاء نص كلمته بأطياف لغات العالم تجسيدا للتسامح و تلاقح الحضارات والتواصل والانفتاح الذي عرف به المغرب تاريخيا ومنذ قرون، وتعايش مختلف الديانات السماوية، خرج رئيس الحكومة السابق من جحره بغتة وهو لازالت مخيلته تعشش بها خيوط التعريب العنكبوتية على الرغم من احتكاكه واكتوائه بعدم اتقانه للغات العالم إبان تحمله للمسؤولية، ممتطيا جواد المراحل الأخيرة للقانون الإطار 51 . 17 المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين في مجاله المتعلق بلغات تدريس المواد العلمية، ومستعملا ترسانة من أقدح المصطلحات المجيشة للرأي العام (لغة المستعمر، واللوبي والاختراق الاستعماري للمنظومة التربوية، الهيمنة وثقافة المستعمر، الشذوذ الجنسي…)، ونحن في عصر التكنولوجيا و العولمة واكتشاف مجرات ونجوم أخرى بالفضاء.
وهو يدافع عن هرطقات موقفه بحجة أن الطلبة الحاصلين على البكالوريا بالعربية لم يتعثروا في مسارهم الجامعي، والحقيقة أن الأساتذة الجامعيين يعانون من التواصل مع الطلبة في مختلف التخصصات العلمية، والطلبة أنفسهم يعانون من عدم فهم المحاضرات وعدد كبير منهم غادر مدرجات الجامعة، و حاليا نتحدث عن الهدر المدرسي الجامعي، ومستدلا كذلك بعدم قدرة مساعدة الآباء لأبنائهم في المراجعة باللغة الفرنسية، وهل يمكن لأب حاليا تقديم يد المساعدة باللغة العربية لأبنائه إذا كان غير ملما بالرياضيات والعلوم الفيزيائية والطبيعيات؟، فمفهوم الحرارة يفهمها الذي يتكلم العربية، ولا يعرفها الطفل الأمازيغي.
مستطردا بكونها ضربة قاسية للغة العربية التي اعتبرها من ركائز بنية الدولة المغربية متناسيا تعدد روافد الهوية المغربية وفق مقتضيات الوثيقة الدستورية 2011، و عزف على الوتر الحساس المرتبط بالدين كعادته في المهرجانات الخطابية، ومعززا ذلك بموقف ذراعهم النقابي و الحزبي حركة التوحيد والإصلاح، و عريضة الإتلاف الوطني من أجل اللغة العربية لإحياء النعرات القبلية واللغوية والعنصرية والاصطدام التي هي وقود حصد الأوراق الانتخابية، مهددا رئيس الحكومة الحالي و ملحا على النواب البرلمانيين بعدم التصويت على هذا القانون، لأنها ضربة قاتلة لحزبهم، ومقحما عن قصد في كلمته إسرائيل والعبرية و حساسيتها بالعروبة، لاستحضارها في مخيلة المواطن المغربي للتجييش ضد استفادة أبناء الفقراء من اللغات الحية الأجنبية.
الغريب في الأمر وبالموازاة مع ما تعيشه دولة الجوار من هزات احتجاجية، و احتقان ملف أساتذة الأكاديميات، فهو يدعو بشكل خطير إلى إسقاط الحكومة والبرلمان وتقديمهما قربانا لموقفه وللغة العربية، والضغط على زميله لترك مفاتيح رئاسة الحكومة والخروج “مرفوع الرأس” والذي صرح بعظمة لسانه أنه يخالف دستور المملكة ، فرئيس الحكومة السابق ووزراء وبرلماني حزبه… ، أبناؤهم يدرسون باللغة الفرنسية واللغة الانجليزية بمختلف المعاهد الوطنية والدولية، والدليل حضوره رفقة زوجته لحفلات حصول ابنه على هذه الدبلومات المكتوبة بلغة المستعمر حسب تعبيره.
خطاب هدد من خلاله استقرار المجتمع والوطن في المستقبل، منصبا نفسه وصيا على الجميع، قائلا “ذلك ليس في مصلحة الملكية المغربية والشعب المغربي”، ودعوته الى استفتاء حول لغات تدريس المواد العلمية، ما هو إلا استعراض عضلات النتائج الانتخابية والحنين إلى الماضي الذي رسمه عامل العزوف الانتخابي، وتطفل على نقاش الاخصائيين الأكاديميين والديداكتيكيين، مستدلا بمصطلحات علمية مترجمة إلى العربية بمجلات وجرائد تصلح فقط لتلفيف النعناع وغير معترف بها علميا ودوليا. ومطالبته بالوفا كوزير للتربية الوطنية خطاب يحمل في ثناياه اهانة بقدرات وزير التربية بحكومة العثماني.
الشذود الجنسي والفكري والاستعماري الذي يخفيه من وراء هذه الخرجة الفايسبوكية هو ما يتم القيام به كعميل للاستعمار الثقافة الشرق الاوسطية ببرقعها الأسود والظلمي وتداعياتها المستقبلية على روافد الهوية المغربية، بالتطرف والدعشنة، وبالكذب و نهبه للمال العام بغير حق، منتشيا بامتصاص دماء المغاربة ب 9 ملايين شهريا من صندوق التقاعد الذي أصلا لم يساهم فيه. فهمنا نرفزتكم وخرجاتكم ومناداتكم لإتلاف لغة الضاد لتوقيع عرائض ضد القانون الاطار، لأن عروش أوهامكم الحزبية تتساقط، التي من بينها التخدير اللغوي العروبي الاسلاموي.