عديدة ومختلفة ومعقدة هي القضايا المطروحة على الصعيد الاقتصادي فيما يخص أهدافه ومضامينه الإنمائية التي تضمن للمواطن العيش الكريم، لهذا يعتبر مفهوم الاقتصاد الاجتماعي التضامني من بين المفاهيم الحديثة تداوليا بين عامة الناس، والاقتصاديين خاصة، لكن بروزه، يمكن القول، أنه ظهر بحدة بعد الأزمة الاقتصادية 2007 – 2008 في بعض المناطق والدول في آسيا وأمريكا اللاتينية التي شهدت تشجيعا وإشارات سريعة لتطور اقتصاداتهم في ما يخص التشغيل ونزول معدل الفقر، غير أنه ومنذ أزمات الديون السيادية في أوربا والتي ابتدأت بالأزمة اليونانية في أواسط سنة 2010 والتي صاحبها ركود في الميزانية العامة للولايات المتحدة الأمريكية، دخل العالم في مرحلة جديدة من الأزمات الاقتصادية، الاجتماعية والمالية.
ولقد ارتبط ظهور مفهوم الاقتصاد الاجتماعي التضامني كذلك بتزايد حدة الإقصاء الاجتماعي وتزايد عجز الدولة في توفير الحاجيات الاقتصادية وخوصصتها لمجموعة من المؤسسات العمومية المرتبطة بشكل مباشر بالقطاع الاجتماعي. ومن الناحية التاريخية تعود أصول مفهوم الاقتصاد الاجتماعي التضامني إلى الباحثين الفرنسيين،الذين منذ سنة 1977 أعادواْ اكتشاف المفهوم واستعملوه من أجل الإشارة إلى مجموع التنظيمات المشكلة من الجمعيات والتعاونيات والتعاضديات، ومنذئذ بدأ المفهوم يكتسب الاعتراف المؤسساتي بهدف الإشارة إلى القطاع الثالث، ليس في فرنسا فقط، وإنما في دول الجوار كبلجيكا، اسبانيا والبرتغال وبشكل أقل في ايطاليا والسويد.
والاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي ينسب إلى الباحثين “برنارد إيم” و “جون لويس لفيل”، يمكن تعريفه بأنه: “مجموع الأنشطة المسهمة في دمقرطة الاقتصاد، انطلاقا من التزامات مواطنة، وبعيدا عن تعويض فعل الدولة، فهو يبحث عن تمفصل معها، وعن إعادة إدراج الاقتصاد في مشروع إدماج اجتماعي وثقافي”.
إذن؛ فالاقتصاد الاجتماعي التضامني، لا يقدم ذاته كبديل للأنشطة الاقتصادية للدولة ولا يتعارض معها، وإنما يحاول من خلال تنظيماته التي تعد من مكونات المجتمع المدني، نسج روابط تكامل وشراكة مع الدولة ولاسيما عندما يتعلق الأمر بدولة الحق والقانون.
من هنا فأهم ما يميز هذا النوع من الاقتصاديات أنه يسهم في بلورة مجالات ترابية متضامنة لها هوية محلية كما يضفي قيمة على الموارد المحلية البشرية والمادية لأجل إحداث أنشطة ومشاريع وإيجاد فرص الشغل وتقديم خدمات. لذلك فالاقتصاد الاجتماعي التضامني يعتبر أحد اللبنات الأساسية للتنمية الاجتماعية داخل التنظيمات البشرية، خصوصا وأن التنمية الاجتماعية ظهرت لتقليص من حدة الفوارق والظواهر الاجتماعية وهو ما يشكل نقطة التقاء بينهما ويكرس المبادئ الإنسانية.
فعلى مدى قرنين من الزمن ، كان هناك صراع مستمر لتفسير و ربط ممارسة الاقتصاد و تطوير المؤسسات الاقتصادية إلى مسألة ذات منفعة اجتماعية . هذا النضال، من بين معالمه البادية اليوم هو الجدل الدائر حول المعنى والدور الذي يمكن أن يمثله الاقتصاد الاجتماعي التضامني كواحد من الخيارات الضرورة لبناء عالم آخر، عالم العدالة الاجتماعية.
ما يدفعنا اليوم لطرح موضوع أهمية الاقتصاد الاجتماعي التضامني هو فشل السياسات الاقتصادية المعاصرة لتوفير مستويات دنيا، تحترم كرامة المواطن، من الرفاه الاقتصادي و الاجتماعي. فعلى المستوى العالمي لا تزال الفوارق الاجتماعية في تصاعد صارخ بين الأغنياء والفقراء، فالغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا.
في ظروف كهذه يمكننا أن نعتبر نظام الاقتصاد التضامني الاجتماعي بمثابة رد فعل مدني ومجتمعي على اختلال نظام العولمة وجوره لصالح الربح على حساب كرامة المواطن البسيط. وهكذا فالاقتصاد التضامني الاجتماعي يمكن أن يكون نظاما إنمائيا واجتماعيا وأن يلبي مطامح المواطن في ظروف العولمة الرأسمالية المسيطرة إذا قام على تفعيل النمو والارتقاء بالإنتاج التضامني وعلى لجم النزاعات الجشعة في النظام الرأسمالي والحد المستمر منها.
عزيز السكري