تناغم فني عربي أمازيغي إفريقي في طاطا المغربية
نزح في القِدَم إلى منطقة طاطا المغربية أفارقة وتبعهم يهود، وبدأ تشكل بشري جديد عبر عرب وافدين من شبه الجزيرة العربية والشام. استوطنوا سفوح الجبال وتعلموا اللغة الأمازيغية وتمزغن بعضهم، وعلى ضفاف وادي درعة تلاقى هؤلاء وشربوا من ذات النهر، فتمازجت الأفكار، وانبثقت ثقافة مركبة عابرة للهُويات، أنتجت أشكالاً جديدة من الفنون والتراث. وما زلنا ننبهر اليوم بسماع شعر عربي بعد امتزاجه بتراث أمازيغيّ وغناء لا يزال يؤدى باللغة الإفريقية. وصال الشيخ تنقل موقع قنطرة إلى طاطا، حيث لا يزال التنوع سيّد الموقف.
ثمَّة “ركبة” و”شمرة” و”كناوة” تستلزم وضع الحبق فوق الشماغ حتى يظهر الغناء والرقص متقنين. هذه الأجساد والأفواه التي “تلعب” تنتمي إلى منطقة “باني” شبه صحراوية الواقعة في الجنوب الشرقي للمغرب، وتقدّر المساحة التي يعيشون فيها بـ (25 ألفاً و925 كيلومتراً مربعاً) وتتسم بثقافة مزيجة وفريدة من نوعها، واضحة وغير واضحة، أصلية أو اختفت جذورها وقد نمت على جانبيّ وادي درعة وفي الواحات.
نتحدث هنا بالخصوص عن واحة طاطا التي تقع في حدود منطقة “باني” وقد تجذرت فيها ثقافات عدة لاختلاف سكانها والشعوب القادمة إليها.
عاش الإنسان الأول بالمنطقة قبل تسعة آلاف سنة قبل الميلاد ونقش رموزه على صخور ما زالت آثارها توجد بواحة طاطا وقد أرّخ خلالها لطريقة عيشه التي بدأها بالصيد والقنص وظهرت بأشكال عدة، ثم مرحلة إمساكه بذيل البقرة التي تدلل على الزراعة وتدجين الحيوانات ثم عصر اكتشاف المعادن، وانتشرت نقوش الإنسان الأول تحديداً في منطقة “تاغموت” شمال طاطا وبمناطق أخرى، وشكّلت بوجودها متحفاً طبيعياً برياً، لكن انقطعت أخبار الإنسان الأوّل.
من هنا مرت أعراق وثقافات واستوطنت
ولم يعلم أحد لأي شعب كان ينتمي حتى مرحلة ظهور الدولة الأمازيغية في منطقة باني التي حكمت شمال إفريقيا قبل مجيء الإسلام، وفي هذه الفترة تحديداً، يقول الباحث الاجتماعي، إبراهيم أوبّلا: “نزح قوم من البور الأفارقة من مناطق السافانا بإفريقيا وتبعهم اليهود الفارّين إلى مصر ثم شمال إفريقيا، وبدأ التشكل البشري الجديد عبر هذه الموجات إضافة إلى موجات القبائل العربية الوافدة من الجزيرة العربية والشام؛ محدداً هويّة المنطقة التي ما زالت سائدة حتى اللحظة”.
قبائل عربية متمغزنة: لم تستقر القبائل العربية أو الجيوش التي مرّت إلى الأندلس في الجنوب المغربي كما يوضح الباحث أوبّلا، لكن مع مجيء قبيلتي بني هلال وبني سليم في القرن السابع الهجري استقر منهم “أولاد جلّال” الذين استوطنوا سفوح جبال باني وتميزوا حتى اليوم بلهجتهم وزجلهم إلى جانب سهولة تعلمهم للغة الأمازيغية وتمزغن بعضه، أما الدوبلاليون فهم من معقل الحسانيين الذين وفدوا على المنطقة خلال القرن التاسع عشر آتين من الساقية الحمراء وحاملين معهم بذور الثقافة الحسانية والصحراوية.
لم تستقر القبائل العربية أو الجيوش التي مرّت إلى الأندلس في الجنوب كما يوضح أوبّلا، لكن مع مجيء قبيلتي بني هلال وبني سليم في القرن السابع الهجري استقر منهم “أولاد جلّال” الذين استوطنوا سفوح جبال باني وتميزوا حتى اليوم بلهجتهم وزجلهم إلى جانب سهولة تعلمهم للغة الأمازيغية وتمزغن بعضه، أما الدوبلاليون فهم من معقل الحسانيين الذين وفدوا على المنطقة خلال القرن التاسع عشر آتين من الساقية الحمراء وحاملين معهم بذور الثقافة الحسانية والصحراوية”.
الثقافة الثالثة التي ازدهرت بالمنطقة ثقافة أفريقية بحتة مثلّها ذوو البشرة السوداء الوافدون في فترات مختلفة يعود أقدمها إلى ما قبل الإسلام، ونشط وجودهم كعبيد في عهد المرابطين و السعديين وفي عهد مولاي إسماعيل، وانصهروا تماماً بالثقافتين العربية والأمازيغية مما قضى على ثقافتهم الأصل، إلّا ما ندر منها وتوجد على شكل غنائيّ في قرية “تيزونين”.
موقع قنطرة : وصال الشيخ