الخميس , أكتوبر 24 2024

الساكت عن العنصرية في الجنوب… شيطان أخرس..!؟

بجلاء واضح أصبحنا أسرى مقيدين بطوعية لسيدة تماهت مع التاريخ فانجبها فأصبحت ابنتها شرعا اختزلت سلطتها في هرم من الرمزيات تصنف الناس على هواها باختلاف ألوانهم، وأشكلهم، بختلف لغاتهم، ولهجاتهم، بختلف عرقهم، ومنشئهم، بختلف اختلافاتهم البسيطة، والمعقدة، فتحكمت في مجرى حياتهم المشتركة وصيرورة أدوارهم المكتملة، العنصرية وإن كانت مفهوما ضخما يصعب ترجمته أو الحديث عنه دون تحفظ أو حذر في مجتمع كان السلم أبرز سماته البارزة.
إلا أن الحقيقة ودون أي استغراب أو اندهاش فالأمر عكس ما تظهره المرآة من مظاهر تخفي ما كان في الباطن حقد وكره ونفي لوجود أجناس أخرى تحولت في كليتها وتبلورت عبر الزمن لتصبح في أبهى وأجمل صورها بين أجناس تجمعهم أرض واحدة وللغة واحدة، وواقع واحد مرُ وصعب ومتشابه، تحكمت في ذواتهم وأفكارهم وتسربت إلى علاقاتهم الاجتماعية وحبكة معاملتهم اليومية بمنطلقات واهية تركها التاريخ لتكون رائدة في فلسفة حياتهم الميتة؛ لتصبح بذلك أسوء معتقد أمنا به طول تاريخنا مع ذلك فإنها مازالت متأصلة في وعينا.
لقد كان للعلم والجهل وللسلطة والمال وحركات التاريخ المتدبدة وللامستقرة الفضل الكبير في غرس وتنامي سلوكات تمييزية وتفاضلية بين أفراد المجتمع الهامشي فكان المال والسلطة والعلم معيارا للشرفاء وسادة الناس والباقي كانوا عامة الناس بين عبيد وأحرار صغار (فلاح صغير أو صاحب مهنة بسيطة) بسطاء، ودراويش، يمتهنون مهنة أو يمتلكون قطعة أرض ترفعهم عن سؤال الناس كل هذه الأصناف في جوفها أصناف أخرى حتى أصبحت كأدراج لطبقات اجتماعية.
هذه التراتيبية الهرمية التي خلفها التاريخ كانت واقعا وحقيقة انتجتها ظروف وشروط وتعايشت معها كل الأجناس بختلف درجاتهم الاجتماعية وبختلف عرقهم ولونهم واثنياتهم بوعي أو بغير وعي كره أو طوعية فكل هدا أصبح ماضياُ وأضحى مرجعا لمن يداعب التاريخ مخيلته ويستقرأ ماخلفته أنامل أجداده.
إن ما خلفه التاريخ من هرمية اجتماعية تلاشت وتصدعت فلا أصل في التاريخ إلا التغير والتحول لا يستقر على حال من الأحوال، فالمدرسة والهجرة والإعلام كلها عوامل وأخرى قلبت موازين القوى وإعادة ترتيب الأدوار؛ فالعمل الحر والمستقل الذي كان محتكرا أصبح للجميع متناولا في ظل مدرسة “عمومية” تجمع بين “أبناء السادة والعبيد وبين الحر والبسيط” فخلقت علاقات ودية واجتماعية بين أبناء المدارس بغض النظر عن اختلافاتهم، فأصبح ابن الغني والفقير وابن السيد والعبد معلما وطبيبا وقضايا مهندسا فاحترقت الرمزيات وذابة الهرميات على أرضية مشتركة.
لم تكن المدرسة هي وحدها حبل النجاة للفئات المستضعفة والمعدومة؛ بل كان للهجرة بنوعيها الداخلي والخارجي دور كبير على انتعاشهم وتسريحهم من بطش الفقر والعبودية في سياق عرفه المغرب من تحولات في جل المستويات الاقتصادية والسياسية التي ألقت بظللها على المستوى الاجتماعي والثقافي، مع ذلك فزراعة التاريخ زراعة لا تموت مع الأجيال ولا الأيام ولا تنسى بهجر المكان أو قراءة درسا كيف ما كان، انها زراعة تزرعها الأجداد في ذاكرة كل الأجيال تبقى محفوظة في ذهنية كل من عاش وعرف تاريخ هذا المكان و أمنا به إيمانا مطلقا.
كثيرة هي مظاهر العنصرية وإن كانت محتشمة ظاهريا أولها علاقات المصاهرة؛ فالمصاهرة ليست مسموحة بين كل هذا الأجناس فالكل يتزوج من بني جنسه، ومن تجاوز الحدود وتزوج من غير جنسه أصابته لعنة الهجر، والعزل فانحرف ومصاهرته هي تدنيس للسلالة المقدسة الطاهرة والشريفة، انصهاره هو اختلط بأجناس مدنسة لا تليق بأصناف منعمة ومعظمة؛ فلا صلاة بدون إمام منهم يأمرهم وينههم إمام من جنس المصلين من “أصلهم وفصلهم” ومن رحم أمهاتهم فلا معنى للكفاءة أو الورعة أن لم يكون من جنسهم فالعار كل العار أن يتقدمهم إمام ليس من صنفهم والعار كل العار أن يتقدمهم أو يتزعمهم في السياسية والسلطة وفي المساجـــــــد والقبيلة…
لقد تجاوز هذا التمييز حد المعقول فلم يقتصر على الأحياء فقط بل تدفقت أفكاره إلى من كان جثة هامدة ليس في رأس ماله سوى كفا وسنتيمترات من التراب فلكل مقبره فيها أبناء عمومته المنعمين المعصومين الفضلاء وكأن الله يغفر الذنوب والخطايا بالوسائط و”الوجهيات”.
إيماننا بخطى أجدادنا رسخ في أدهن أبناءنا وأبناء أبائنا احتقانا تارة يكون شعورا بالألوهية والسمو لفئات رفع التاريخ أجدادها لفترة قضاءُ وقدرا أو لقدرة قادر بشري، فستدخلها الأبناء والأحفاد دون أن يرفعهم التاريخ كمال فعل مع أجداهم وأجداد أجدادهم فأمنوا بها إيماننا مطلقا إيماننا أصبح رمادا لكل تلك السلطة والنفوذ ولم يتبقى سوى وهم الرمزيات وانتماءات كانت لأجناس صنفت بمبررات دينية والثقافية فحفظة في سراديب التاريخ بالدم و النسب.
وتارة أخرى يكون شعورا بالضعف والبساطة أو بالعبودية والتبعية فأجداد هذه الفئة كان رأس مالها قوة عملها وكثرة أولدها…، لكن مكر التاريخ أنصف من لم ينصف فغير موازين قوى فأعاد ترتيب الهرمية بمعايير العلم واقتصاد فتلاشت الرمزيات وحل محلها من يملك ومن لا يملك فلم يعود اللون ولا الجنس ولا اللغة معيرا للشرف ولم يعود انتسابك لزيد أو لعمر يغير من قيمتك شيء وهذا ما لم يفهم بعد.
لقد نخرت العنصرية أجسادنا وأجساد أفكارنا فما كان لنا إلا أن نعترف بجهلنا وحماقتنا وضعنا أنفسنا في يد ما لا تمل ولا تتعب صدقنا أساطير التاريخ فتقدمت الشعوب كانت أقرب من الموت منا وتأخرنا نحن بحجة “كان جدي” فأصابنا التلف فواقعنا واقع “هذا أنا” واقع يكبر فيه الكبير بالعمل ويسطع فيه نجم طلبا اجتهد…، فلا دخل للون ولا العرق. من ينتظر أن تسقيه السماء عطرا فجده كان فرعون قومه فليعلم بأن الموت تنتظره لتسقيه سما وعلقما.
أرض واحدة وتاريخ واحد وحياة مشتركة وظروف مناخية صعبة لا ترحم وواقع مر، سيناريو كان سيكون قوة لحياتهم لولا الجمود الذي أصبنا وحطم أحلامنا وغير واقعنا، فلا ازدهار ثقافي في ظل ظروف مغلقة انغلاقا تاما عن ثقافة الأخر ولا تطور في ظل عقلية عوراء صماء بكماء. فالعزلة والانكماش ليست إلا تعبيرا عن عقم ثقافتنا وعاهة ابتلي بها تاريخنا.

عثمان بوخلي

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز

في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *