السبت , يوليو 27 2024

النخلة ارض زاكورية

يبتدئ الصائمون افطارهم الرمضاني بشق ثمرة ،سنة نبوية واعجاز علمي أمر به الرسول (ص) منذ اربعة عشر قرنا حين قال (اذا أفطر احدكم فليفطر على ثمر فانه بركة فان لم يجد فالماء فانه طهور) .فالصائم عند نهاية صومه يكون في اشد الحاجة لعاملين مهمين اولهما مصدر غدائي لتوليد الطاقة بصورة عاجلة ،والثاني تأمين مصدر مائي لتعويض النقص .والنخلة ارض عربية عبارة قالها الشاعر الكبير مظفر النواب متنفسا فيها الصعداء ،حين بدت له غابات النخيل في اول خيوط الصبح بعد ليل حالك محفوف بالمخاطر. وترجع الاصول الاولى لشجرة النخيل الى وادي الرافدين ومنطقة الخليج ومصر ،ففي الادبيات الفلاحية نجد ان النخيل لا ينتعش نموه الا في المناطق شبه استوائية حيث ندرة التساقطات وتتطلب جذوره وفرة الرطوبة ،وقد عثر العالم الجيولوجي ادوارد بري على نماذج مستحفرة من الثمر في شرقي ولاية تكساس الامريكية فحاول البعض التشبث بهذه الاكتشافات واعتبارها دليلا قاطعا على ان امريكا هي الموطن الاصلي للنخيل .ورغم اختلاف الدارسين حول الموطن الاصلي للنخلة ،فالثابت ان بابل التي يمتد تاريخها الى اربعة الاف سنة قبل الميلاد قد عرفت هذه الشجرة وثمارها ،أما مصر القديمة هي الاخرى كانت موطنا لزراعة النخيل حيث عثر على نخلة صغيرة كاملة في احدى مقابر سقارة حول مومياء من عصر الاسرة الاولى حوالي 2200ق م .وقد أدخل البابليون والاشوريون التمر في بعض الوصفات الطبية كعلاج الدمامل والقرح ،ووصف ماء التمر مع ماء الورد للمعدة وعسر الهضم مع الحليب ،ومنافع التمر الكثيرة اعطته اهمية كبيرة جعلته في موضع التقديس ،لقد كانت معابد وقصور السومريين والبابليين مزينة بالنخيل ،وكان للبابليين اله النخيل على هيئة امرأة يخرج من كتفيها سعف النخيل .
أما الاديان السماوية فقد أعطت قيمة كبيرة للتمر والنخيل ،فاليهود يعتبرون التمر من الثمار السبعة المقدسة والمسيحيون يعتبرون فسيلة النخل رمزا للمحبة والسلام .أما في الاسلام فالنخلة شجرة مباركة أعزها الله ورسوله الامين ،اذ جاء ذكرها في كتاب الله العزيز اكثر من عشرين مرة بصيغتي المفرد (النخلة )والجمع(النخيل –النخل).
واذا كان اهتمام الاسلام بالزراعة عموما وبالنخل خصوصا قد تمثل بالشروط الواضحة التي اكد عليها النبي (ص) بخصوص بيع وشراء التمر وفي آداب اكله وبعد وفاة النبي (ص) سار الخلفاء في البلاد الاسلامية على النهج نفسه حتى صارت شجرة النخل سيدة الشجر كما وصفها ابوحاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني البصري المتوفى سنة 248 ه/862 م ، وفي وصف جامع التمرقال ابن قيم الجوزية انه (فاكهة وغذاء ودواء وشراب وحلوى). وقد صاغ امير الشعراء احمد شوقي هذه المعاني في بعض من ابياته الشعرية :
اهذا هو النخل ملك الرياض امير الحقول عروس العرب
طعام الفقير وحلوى الغني وزاد المسافر والمغترب
فيانخلة الرمل لم تبخلي ولا قصرت نخلات الترب
ووصف احد الشعراء النخلة قائلا :
والنخل حول النهر مثل عرائس نصت غدائرها على غدران
والطلع من طرب يشق ثيابه متنشرا كتنشر الجذلان
أما المعري فقد شرب من ماء دجلة وزار أشرف الشجر:
شربنا ماء دجلة خير ماء وزرنا اشرف الشجر النخيلا
وتدور حول النخل حكايات واساطير ،اذ يروى ان هناك قبيلة عربية اسمها (جهينة) عاشت قبل ظهور الاسلام ، عملت من الثمر هيكلا اتخذته الها لها وعبدته ، وقد ورد أنه حين حل القحط في ديار جهينة انتشرت بينهم المجاعة ،فاضطرت هذه القبيلة ان تجهل من الهها طعاما فقال الشاعر فيهم:
أكلت جهينة ربها زمن التقحم والمجاعة
ومهما يكن من أمر فان الوطن العربي هو المنتج الاكبر للتمور في العالم اي حوالي 76% من تمور العالم ،ذلك لان الارض العربية تمتلك كل المميزات التي تتطلبها زراعة النخيل فالترب الرسوبية هي افضل الترب لزراعته كما في السهل الرسوبي في العراق ،وفي الترب الرملية في الجزائر والمغرب.
واذا كانت واحة درعة التي تحف نهر درعة العظيم من بين الغابات التي تنتج كمية مهمة من التمور ذات جودة عالية ،فان نذرة التساقطات وانحصار كمية كبيرة من المياه في ورززات وواحتي مزكيطة وتنزولين بفعل السدود الصغرى التي تدعى محليا ب”أكوك” جعل الانتاج في تراجع خطير مما نتج عنه تغيير صورة النخلة لدى الفلاح الدرعي الذي كان يعتبرها احد أبنائه الذي لاينبغي التخلي عنهم ،بل حينما جاء “موغا” الفرنسي يطلب ايادي خشنة للعمل بفرنسا في ستينيات القرن الماضي انشد احدهم بيتا يرفض فيه هجرة الارض يقول فيه: حزمة فصة وبرمة حسا احسن من مشية فرنسا
فهو ان خير بين الذهاب الى الحقل والاتيان بحزمة من الفصة للبهائم والسفر الى فرنسا لاختار الاولى ،لكن تجري الرياح بما لاتشتهي سفن هذا الفلاح القنوع فالارض لم تعد هي الارض ،وواحة النخيل تعيش شيخوخة تاريخية رغم انف “مهرجانات الواحة” التي تقام سنويا،مما جعل الجيل الحالي ينفتح على مهن اخرى كانت الى وقت قريب مهن اهل المدن.لذا على الدولة ووزارة السياحة المستفيد الاوحد من جمال الواحة ان تتدخلا بتقديم مساعدات للفلاحين الصغار الذين لايزالون مرتبطين بالارض ،سواء باصلاح قنوات الري و حفر ابار عميقة اسوة بالتجربة التونسية.فهل يصح ان نقول مع مظفرالنواب النخلة ارض زاكورية؟؟؟

بقلم :عبد الكريم الجعفري – أستاذ باحث

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

الورد للتثمين لاللدوس عليه بالأرجل !!

ما هكذا تورد الإبل ياسعد: كنت انتظر ان أرى الورد العطري على رفوف ذهبية مرصعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *