بديعة الراضي
وأنا أحل اليوم الخميس ثاني أكتوبر من سنة 2017 بمدينة زاكورة، بعدما استمعت يوم الإثنين الماضي ،من شرفة البرلمان، في متابعة مهنية، لخطاب السيد سعد الدين العثماني في الجلسة الدستورية الشهرية الخاصة برئيس الحكومة، الذي اعتذر لأهل زاكورة عن الإختلالات التي همشت إقليما يئن سرا وجهرا، في محطات مختلفة من السياسات المتعاقبة على تدبير المجال.
وهو الحلول الذي أحمل فيه أسئلة القرب، التي فضلت فيها الوقوف عند مشاهد رصدتها قبلا ،وأنا أزور إقليم زاكورة ،ضيفة على الفرع الإقليمي للهيئة المغربية لحقوق الإنسان، بتاريخ 24 ماي 2015، وهي الزيارة التي ألقيت خلالها عرضا حول “الوضع الحقوقي بالمغرب” ، ركزت فية على الحقوق الاقتصادية والإجتماعية.
وبنية إشراك قرائي الأعزاء وقراء جريدتنا التي أتشرف بكتابة عمود أسبوعي بها، أنه يهمني أن أستحضر ما قلته للحضور المتميز من شباب المنطقة الذي حج أنذاك إلى قاعة الثقافة بمدينة زاكورة .
كما أني أستحضر هذا التاريخ بعدما استمعت جدا في الأسئلة الموجهة لرئيس الحكومة إلى بعض المزايدات الفردانية ، التي تجعل من ملفات ساخنة في بلادنا مطية لركوب الصعاب، والحال أن هذا الركوب ليس إلا على أريكة حمراء في قاعة مكيفة مغلقة. المهم ، أني قلت قلت لهؤلاء الشباب قبل سنتين خلت، أنه ما دمنا في منطقة زاكورة وفي زمن نطوق فيه إلى جهوية موسعة ومنسجمة مع الطرح الدستوري،أن نركز على الأذرع الأربعة في الأمن الاقتصادي والإجتماعي، بإعتبارها الحقوق الأساسية التي من دونها لا يمكن الحديث بتاتا عن كرامة الإنسان في إقليم زاكورة. هذه المنطقة التي تقع جوار منطقة حدودية حساسة ما تزال قابعة ، بشكل عام ، خلف التهميش والتناسي ، بل وضمن دائرة المغرب غير النافع .
وقلت وأنا أتألم بالفعل من مشاهد القرب التي اخترت أن أذهب إلى حيث هي ، بسيارتي الخاصة متسلقة طريق تيشكا في تحد للخوف من السقوط في الهاوية ، أن نساء ورجال التعليم لا يستفيدون من الخدمات التي تقدمها مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، ويمارس عليهم الحيف “بالعلالي” ،والخصاص بمختلف مناطق زاكورة ، يحتاج مقاربة مبنية على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ممثلة في ” الأذرع الأربع للأمن الاقتصادي بزاكورة ” ، وهي الذراع المائي ، والذراع الصحي ، والذراع البيئي ، وذراع المواصلات ، فلا يمكن تصور حياة كريمة بمنطقة زاكورة دون التوفر على موارد مائية بشكل منتظم ، فهي الغاية والمبتغى ، وهي الذراع الذي يساهم بشكل كبير في محاربة الفقر والهشاشة والتهميش من خلال التعاطي لأنشطة فلاحية معاشية ببساتين واحة درعة .
وتوقفت عند مشكل الماء، وقلت أنه إذا كان التوفر على موارد مائية غالبا ما يرتبط بما تجود به السماء من أمطار، فإن الامر يستدعي بالفعل مقاربة ترفع التهميش على المنطقة، ولم أستثني الذراع البيئي الذي لا يقل أهمية عن الذراع المائي ، فالأمر يتعلق أساسا بوضعية واحة درعة التي تتوفر على خزان بيئي هام ممثل في أشجار النخيل ، التي يتعين حمايتها والحفاظ عليها . وتداولت مع الحضور ضرورة تقنين زراعة الدلاح تماشيا مع طبيعية المخزون المائي، وهو التداول الذي صاحب رحلتي عندما حطيت الرحال بإقليم الراشيدية حيث تحدثت مع بعض إخواننا عن مئات الشاحنات التي تنقل “الدلاح ” إلى مناطق أخرى انطلاقا من زاكورة، في الوقت الذي لا يستفيد فيه عامة الشعب هناك من الموارد، بل يتضرر هؤلاء في معيشهم الذي يشكل فيه الماء قطرة الحياة. وذكرت في الذراع الصحي حسب المعطيات المتوفرة لي ، أن المؤسسات الاستشفائية بزاكورة التي تحولت إلى ما يشبه محطة لمنح تراخيص ل ” تصدير ” المواطنين ” المرضى نحو مستشفيات ورزازات ومراكش ، وتساءلت عن ما معنى أن نجد مؤسسات استشفائية وأطقم طبية وجودها كعدم وجودها ؟ أي هدر المال العام من أجل لاشيء ، والحال أن الأغلبية الساحقة من ساكنة زاكورة ، خاصة في الدواوير ، تعاني من ضيق ذات اليد ، حيث لا تتوفر على الإمكانيات المادية لنقل المرضى نحو المدن المجاورة . علما أن الحكومة في شخص وزارة الصحة قدمت وعودا للمنطقة, تتعلق بتمكين زاكورة من تجهيزات وأطباء جدد، والحال أن الوعود ارتبطت بما يردده الوزير المقال من حكومة العثماني، في الولايتين معا “أن الله غالب” .
ولم أستبعد من مداخلتي، الشبكة الطرقية، -واضعة يدي على رأسي، حامدة الله أني وصلت على خير إلى زاكورة – التي تحصد بين الفينة والأخرى أرواح مواطنين أبرياء ، كما حدث مرارا ولسنوات في منعرجات تيشكا بين مراكش وورزازات . قلت لشباب زاكورة يومها أن المطالب الحقوقية الاقتصادية الاجتماعية هي بوابة لبناء المغرب الحقوقي الذي رسمه دستور 2011 دون ذلك سنظل رهيني أساليب رنانة تجعل من موضوع حقوق الإنسان في المغرب شكلا كونيا في المنابر الخطابية ، وقلت بصوت عال أن المعركة التي خضناها في الحقوق السياسية منذ عقود خلت ولازلنا نستكمل فيها الأوراش لن تثنينا عن خوض نفس المعركة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وذلك هو التمازج الحقيقي بين المطلب الديمقراطي والمطلب التنموي اليوم وأنا في إقليم زاكورة أعدكم قرائي أن أنصت الى صوت المهمشين والمهمشات، سأدخل بيوتهم وبيوتهن سأشرب من ماء ” الحنفية ” سأتدوق ملوحته،وسأتضامن مع كل مقهور دفعه العطش والحاجة إلى التظاهر بدون ترخيص ، فيضا أو غيضا أو إنتحارا أمام وضع لا يقبل التأجيل.