لم تكن حورية إسلامي تظن أن نضالها الحقوقي الذي انطلق في أحد أيام شتاء سنة 1997 سيجعلها تصل إلى هرم الفريق الأممي المعني بالاختفاء القسري، كرئيسة من داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهي التي اكتوت بنار الاختفاء، ورُزئت في أخيها.
حورية إسلامي، ابنة الدركي التي ازدادت في قرية تويسيت، بإقليم وجدة، قررت أن تأخذ على عاتقها النضال من أجل محاربة الاختفاء القسري، إلى أن تدرجت في هذه المهمة مغربيا وأمميا، لتترأس الفريق المعني بهذه الظاهرة، التي كان المغرب مسرحا لها قبل إعلانه ضمن هيئة الإنصاف والمصالحة القطع مع هذا الماضي الأليم، وتنصيصه الدستوري على تجريمها.
وبحكم مهنة والدها الذي كان يشتغل دركيا، تقول حورية إسلامي، في حديث لهسبريس: “درست في مختلف أنحاء المغرب، لأننا كنا ننتقل باستمرار من منطقة إلى أخرى”، إذ انطلق مسارها من مدينة الناظور، التي تلقت فيها تعليمها الأولي منذ سنتها الثالثة، ثم انتقلت إلى المدرسة الابتدائية بقرية أكدز، والمستوى الإعدادي بقرية بومالن دادس، والثانوي بمدينة ورزازات، حيث حصلت على الباكالوريا علوم تجريبية.
ودرست إسلامي الآداب الفرنسي بجامعة فاس، وبعدها انتقلت إلى مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، ثم التحقت بمديرية الدراسات التشريعية بالأمانة العامة للحكومة كمترجمة إلى حدود سنة 2001، ثم بقسم الترجمة بالمنظمة الدولية إيسيسكو، كرئيسة مصلحة الترجمة لمدة سنتين، ومنذ 2007 عملت بصندوق الإيداع والتدبير في مديرية التواصل.
وعن نضالها ضد الاختفاء القسري، تؤكد إسلامي، للجريدة، أنه انطلق منذ نونبر سنة 1997، عقب اختفاء أخيها يومين بعد مناقشته الدكتوراه في 27 من الشهر ذاته، في كلية الطب بالدار البيضاء، مضيفة: “بحثنا عنه بجميع الوسائل وفي كل الأماكن، علما أنه لم يأخذ معه أوراقه ولا جواز السفر”.
وبمجرد يقينها بأن غياب أخيها كان بسبب “أنشطته السياسية في كلية الطب، وأنه كان محل العديد من التحقيقات السياسية، إذ قضى بعض الليالي في ضيافة الشرطة بالبيضاء”، كما يقول مقربون منها، توجهت حورية إلى الجمعيات الحقوقية، ومنها على وجه التحديد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ثم بعض المنظمات الدولية، ورفعت أيضا شكاية سنة 1999 إلى الفريق الأممي المعني بالاختفاء القسري، الذي ترأسه اليوم، ولازالت شكايتها مسجلة لديه.
انخرطت حورية إسلامي سنة 1998 في النضال في لجنة التنسيق لعائلات المختطفين مجهولي المصير وضحايا الاختفاء القسري بالمغرب، التي تضم العديد من العائلات، منها عائلات الرويسي والمنوزي ووزان والوسولي وسالم، وغيرها، وتضم ضحايا وعائلات ضحايا تازمامارت، وعائلات ضحايا 1965 و1981، ومجموعة بنو هاشم، ومجموعات الصحراويين ضحايا الاختفاء القسري.
وتم إنشاء تنسيقية موسعة ضد الاختفاء القسري سنة 1999، تضم بالإضافة إلى هذه المجموعات جمعية هيئات المحامين بالمغرب، والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ولجنة الدفاع عن حقوق الإنسان.
بعد ذلك، في نونبر من سنة 1999، سيتأسس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وكانت لجنة تنسيق العائلات من مؤسسيه، وترأس مكتبه التنفيذي الأول الراحل إدريس بنزكري، وكانت حورية إسلامي آنذاك في المجلس الوطني، ولم تلتحق بالمكتب التنفيذي حتى الولاية الثالثة من عمر المنتدى، وبقيت لولاية واحدة فقط.
“هي قرابة عشر سنوات من العمل مع رفاقي في المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، كانت بالنسبة إلي مدرسة نضالية وحقوقية وسياسية بامتياز”، تقول المناضلة الحقوقية عن تجربتها في إحدى الجميعات الحقوقية الأكثر نشاطا في المغرب، وهي التي شاركت في التحضير للمناظرة الأولى حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي انعقدت في نونبر 2001، وأوصت بتأسيس لجنة للحقيقة والإنصاف؛ كما ساهمت إلى جانب العائلات والمنتدى في مواكبة أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة التي أنشئت سنة 2004.
وواصلت إسلامي نضالها داخل الفضاءات الحقوقية الوطنية، إذ اشتغلت كمديرة تنفيذية لمؤسسة إدريس بنزكري لحقوق الإنسان والديمقراطية سنة 2010، ثم بعد ذلك حصلت على العضوية في المجلس الوطني لحقوق الإنسان سنة 2011، ضمن ممثلي المجتمع المدني، واقترحت كعضو من طرف منتدى بدائل المغرب (FMAS) الذي كانت آنذاك عضوا في مكتبه التنفيذي، قبل أن تترأسه لمدة نصف ولاية.
وعلى الصعيد الدولي، شاركت إسلامي إلى جانب العائلات في الائتلاف العالمي ضد الاختفاء القسري، وساهمت في تأسيس الفدرالية الأورومتوسطية ضد الاختفاء القسري، والترافع من أجل المصادقة على الاتفاقية في المغرب والخارج؛ وبعد 17 سنة من النضال في مجال الاختفاء القسري وحقوق الإنسان عموما، قدمت ترشيحها للفريق الأممي سنة 2014.
بعد رئاسة الفريق الأممي، والذي يشتغل حسبها بمنهج تشاركي وتشاوري بين أعضائه الخمسة، ترى إسلامي أن أولويته هي “معالجة أكبر قدر من الشكايات الواردة عليه”، مضيفة: “لكن بوصفي أنتمي إلى المنطقة الإفريقية، وإلى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أحاول أن تكون هاتان المنطقتان حاضرتين بقوة في أجندة زيارات الفريق وأنشطته”.
وسجلت المسؤولة الأممية ذاتها أن “هذه المناطق أصبحت تعرف ظاهرة الاختفاء القسري من طرف فاعلين دوليين وغير دوليين، وهو الموضوع الذي اشتغلت عليه ورشة الخبراء الأخيرة التي انعقدت على هامش الدورة 108 للفريق بالرباط”، مشددة على ضرورة أن “تظل مقاربة النوع حاضرة، علما أن أغلب الضحايا غير المباشرين هم من النساء اللواتي يتحملن تبعات الاختفاء القسري على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي”.
وعلاقة بالمغرب، اختتمت إسلامي حديثها لهسبريس بالتأكيد على أن “المملكة قطعت مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واختارت المصالحة مع الماضي، وقطعت بصفة نهائية مع جريمة الاختفاء القسري ممارسة ونصا”، مبرزة أن “تجريمها بموجب الدستور إلى جانب الاعتقال التعسفي والتعذيب جاء للقطع معها، إذ يتضمن الدستور العديد من المقتضيات التي تكرس احترام حقوق الإنسان كخيار إستراتيجي لا رجعة فيه”.
هسبريس- محمد بلقاسم