سنتين على مضي فاجعة فيضانات الجنوب والجنوب الشرقي بالمغرب في مثل هذه الأيام -من 20 نونبر إلى 2 دجنبر 2014- بدأت الأمطار تنهمر بشكل غير مسبوق بالجنوب وبالجنوب الشرقي للبلاد، حيث سجل معدل التساقطات في أقل من 10 أيام حوالي 180 ملم وهو معدل يفوق المتوسط السنوي بالمنطقة، وتسببت هذه الأمطار الغزيرة والمركزة مكانيا وزمانيا خسائر مادية وبشرية مهولة، وضياع العديد من الضيعات الفلاحية، وانهيار عدة منازل وتضرر بعض الطرق التي جعلت بعض الدواوير في عزلة عن العالم.
وقد استأثر هذا الموضوع اهتمام كل الناس محليا ووطنيا ودوليا بسبب غزارة الأمطار التي لم تعرفها المنطقة مند سنين، وبالنظر إلى حجم خسائرها الجسيمة أيضا. وقد واكبت مختلف المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي تغطية لمجريات الأحداث بشكل حصري ودقيقة، من خلال نشر الصور والفيديوهات والمكالمات المسجلة عن الأشخاص المتضررين في عين المكان.
كانت هذه الأيام عصيبة جدا بالنسبة لعدد كبير من الأسر والأفراد بمناطق جنوب شرقي المغرب، حيث عرت هذه الأمطار عن هشاشة البنية التحتية بالجنوب والجنوب الشرقي للمملكة التي لم تتحمل هذه الأمطار الغزيرة، مما أحدث خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات وحصار مسافرين وعزل قُرى، وجرف مساحات كبيرة من مزروعات.
وكان من بين الأشخاص الذين حصروا جراء هذه الفيضانات وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي الذي كان يقوم بزيارة للمنطقة للمشاركة في نشاط حزبي. وحسب التقارير الرسمية فإن عددا من القناطر والجسور التي تربط أقاليم زاكورة ورزازات والراشيدية وتنغير ببعضها وببقية الأقاليم، انهارت، رغم أن بعضها لم يمض على بنائه سوى أشهر قليلة كقنطرة “تلوين” على سبيل الذكر، مما أدى إلى انقطاع المواصلات وعزل مدن بأكملها منذ يوم بداية هذه الامطار، وكل هذه الأحداث لازلت راسخة في أدهاننا جميعا ولا يمكن لأي أحد منا أن ينسها. ومن أهم الفيضانات التي خلفت خسائر جسيمة في الأرواح نذكر سيول وادي “تلمعدرت” الذي أودت بحياة أكثر من 40 شخصا ومفقودين، والمؤسف جدا هو إقدام فرق الوقاية المدنية بنقل جثث الضحايا على متن شاحنات لنقل الأزبال، بدلا من سيارات نقل الأموات.
وهناك أيضا فيضان واد أزلاك بتنغير، وتم فيه إنقاذ سياح أجانب خلال نفس اليوم الذي غرق فيه مغاربة، وفي نفس المنطقة. أما بجماعة حصيا وفي الطريق تمتوشت بإغرم نوكديم تعرض جرار للغرق بعدما علقت عجلاته بالوحل وسط الواد، وهو يحاول انقاد امرأة تعاني من مخاض الوجع. هذه القضية التي داع سيطها وطنيا وعالميا، وتعكس حجم ضعف البنية التحتية بالجنوب الشرقي، التي تعيق الولوج إلى الخدمات الصحية في مثل هذه الأوقات الحرجة وفي مثل هذه المناطق المعزولة.
منطقة النيف أيضا كانت من بين المناطق المنكوبة جراء هذه الفيضانات، وانعكست عليها هذه الأمطار الغزيرة سلبيا، حيث دمرت القنطرة الواقعة على الطريق الوطنية رقم 12 قرب النيف، ولم يتم إصلاحها حتى الآن مع الأسف الشديد، وأدت إلى عرقلت حركة السير بشكل كبيرة، وإلى عزلة العديد من الدواوير بالجماعة، وتضررت من خلالها عشرات السيارات أثناء عملية عبورها هذه النقطة السوداء، كما تعرضت مجموعة من المنازل الطينية للسقوط بفعل الأمطار القوية، من بينها المنازل الطينية بقصر النيف القديم، ولن نغفل أيضا عن حجم الأراضي الزراعية التي تآكلت بفعل انجراف التربة على ضفتي واد الرك.
وهناك أيضا ايجابيات هذه الأمطار، فبالرغم من حجم الأضرار الناتج عنها، إلا أنها كانت عاملا أساسيا في ازدهار المنطقة بعد أن تجددت الفرشات المائية الباطنية، وعادت الحياة إلى الواحات والإنسان بعدما مضت سبع سنوات عجاف ذاق من خلالها مرارة نقص الموارد المائية وشحها، خاصة مياه الشرب، ومند ذلك الحين والفلاحة تعرف ازدهارا وانتعاشا كبيرا. لكن هل استفادت السلطات الوطنية والمحلية من هذا الدرس القاسي وصححت أخطاءها؟ وما هي التدابير والإجراءات التي اتخذتها للتكيف مع التغيرات المناخية خاصة الفيضانات؟ وكيف يمكن استغلال هذه الثروة المائية استغلالا أمثل دون إهدارها مجددا؟ وماذا عن الاستراتيجيات الموجهة إلى المناطق الجنوبية الشرقية لتقوية البنية التحتية وفك العزلة وتحقيق التنمية المنشودة؟…
ستبقى هذه الأيام وهذه الأحداث راسخة في ذاكرتنا، وستترك بصمة حزن على نفوسنا، وللأموات الأبرياء الذين كانوا ضحايا ضعف البنية التحتية والإهمال الذي يطال الكثير من المناطق المغربية. في ظل غياب جواب كاف لهذه الأسئلة. وهذه المرة الشعب المغربي لن يقبل بمبرراتكم واستنكاراتكم وتأسفكم لما سيقع، بل يريد من الآن القيام بإجراءات استباقية للكوارث الطبيعية على أرض الواقع، وتحمل المسؤولية ومحاسبة كل متورط في مثل هذه الأحداث
عبد العزيز وعرور