الأربعاء , أبريل 23 2025
أخبار عاجلة

شعرية الموت ودلالة التوازي في «أسبق النهر بخطوة» لفدوى الزياني

اتخذت الشاعرة للشاعرة المغربية فدوى الزياني في ديوانها «أسبق النهر بخطوة»، من قصيدة النثر مُنكتبا لقصائدها، مُسْتحضرة ثيمتي الموت والحياة، كثيمتين متضرج بهما الديوان في تزاوج يراوح نفسه بين ثنائيات الصمت والكلام والضحك وبكاء والحب والحزن، تتنقل بينها اللغة الشعرية في الديوان.

القلق، أيضاً يحضر عند الزياني عبر شاعرية تتبنى نظرية فلسفية كبرى: العود الأبدي، في قصيدتها «هكذا حتما سنعود». في هذه القصيدة تواري ظهرها للموت، معتبرة أنه شيء واقع ولا جدال في ذلك، إلا أنها تجعل من العود ذلك الانتصار على الموت، غير أنه مشحون بـ»الحزن الحاد». فيكون دائما الحزن مرتبطا بالموت، وإن عدنا منه بـ»أرواح على أجساد أخرى».»سنموت يوما.. / ليس الأمر مرحبا إلى هذا الحد!/بنفس الأرواح على أجساد سنعود.. /بسلالة مملوءة بالوجَع.. / كخراف موشومة بإزميل الحُزن الحاد».

إن الموت محور شعري أساس، تمتد جذوره إلى ملحمة جلجامش، وهو يسكن الفعل الشعري بما هو فعل كوني تتجاوز فيه الشعوبُ، بعيدُها وقريبُها. فعبر الموت يعيد الشاعر ترتيب العالم ومُساءلته.
يأتي الديوان مكثفا بمعجم دلالي عن الموت، من أولى قصائده إلى آخرها: «موت الشعراء؛ سنموت يوما؛ عن الموت والحياة؛ أعرف تماما أنني سأموت غداً؛ الخريف؛ هنا في الموت تمادينا؛ كنا ستة سابعنا الموت….».

تتنقل الشاعرة في معالجتها الشعرية والوجودية لثيمة الموت، التي تفيض على صفرة الورق، بين ثنائيات عدة، ثنائيات من المتناقضات، التي تحضر عبر جمالية شعرية لا تنضب داخل المتن الشعري في الديوان «وإكسير الحياة / الشعراء رؤوس معلقة على رماح الانتظار /مشبوهون منذ الولادة /موتهم مؤكّد /ينتظرهم موت آخر / وموتهم الأخير معلّق /معتّق / يأتي جرعات موجعة / بنكهة الصمت ومرارة الغياب».ذ

تجعل الشاعرة من الموت – القلق، عرضها الشعري وقلقها المحتوم، تماماً كما تجعل من الحياة والصمت إكسيرا ونكهة، يتراوح بينهما، التعبير الشعري. الانتصار على الموت (الإكسير) حاضر بقوة عند الشاعرة فدوى الزياني غير أنه مكسو دائما بنكهة الصمت ومرارة الوجع.من بين كل الألوان جاء اللون الأبيض مكتسحاً قصائد الديوان، وأحيانا يحضر في طباق إيجاب برفقة اللون الأسود في بعض القصائد. الأبيض الدال على العدم، الصورة القصوى للموت والغياب.. اختارته الشاعرة كدال شعري لما يتمتع به من دلالة على الفراغ والانتهاء، ولخدمة المعنى، الذي هنا هو الموت. «خُلقت بجناحين وروح / كانت روحا مطمئنة / كانت بيضاء قبل أن يرسم الطفل على جدران البيت قناصا».

الطباق يعجّ في الديوان في تشاكل باهر بين المتناقضات في تعابير جمالية، تتناقل بين قصائد الديوان التي تتراوح بين الطويلة والقصيرة (الومضة) والمتوسطة. ونحن في عملية الجرد تستوقفنا أنواع عدة من الطباق: طباق الإيجاب بين فعلين: – نضحك.. نبكي / نبكي.. نضحك.»الغيمات صغار فُقمَة فوقَ جليد السمَاء / تتخبّط، تتفكّك وتتشكّل ثانيّة». طباق إيجاب بين اسمين: «قصيدة بون الشَمس / أشهرُها / في عين العتمة».

بعد كل هذا الجرد لأساليب الطباق وأنواعه داخل الديوان نأتي على ذكر أن الأساليب الشعرية المعاصرة والحديثة التي تتمثل في الشعر الحر أو قصيدة النثر مهما كثرت زواياها واختلفت طرقها فإنها تتمثل، كما يؤكد فالح الحجية، في مجموعتين أسلوبيتين هما الأساليب التعبيرية والأساليب التجريدية.

يتمثل الأسلوب التعبيريّ بالنمط الذي تنتجه أشكال اللغة الأدبية أسلوبا ملونا بلون من المعايشة غير المباشرة أو المعهودة، حيث تقدم نوعاً من الحقائق المبتكرة بتحريف يسير للغة المعبرة، وتفعيل معقول لآليات التوازي والاستعارة والترميز بشكل يؤدي إلى الكشف عن التجربة في مستوياتها العديدة التي قد تصل إلى أبعاد محددة، لكنها تظل تعبيرية الحقيقة المكنونة.

أما الأساليب التجريدية فتعتمد على زيادة معدلات الانحراف وتغليب الإيحاء والرمز على التصريح، فتعطي القصيدة إشارات مركزة يتعيّن على المتلقي إكمالُها وتنميتها من الداخل، مع فارق جوهري بين التعبيرية والتجريدية يتمثل في إشارة الأولى إلى التجربة السابقة على عملية الكتابة نفسها سواء أكانت حقيقية أم تخيلية، واختفاء هذه الإشارة في الثانية بناء على غيبة هذه التجربة.
وإن كان للطباق قوة توكيد المعنى وإتيان بإيقاع دلالي داخلي في القصيدة، يراوح بالقارئ بين متناقضات في جمالية شعرية، فيحضر التوازي أحد أشكال البلاغة الشعرية المعاصرة، كما أشرنا إلى ذلك، بشكل قوي داخل الديوان، عبر تسلسل متتابع بين الأبيات أو عبر تكرار اللفظ الواحد والجملة الواحدة كلازمة داخل القصيدة.

وهذا ما سنركز عليه في ما تبقى من نصنا هذا، من حيث الأسلوب التعبيري، إذ يقدّم التوازي لقصيدة النثر، قصيدة اللاوزن، إمكانية امتلاك إيقاع صوتي ودلالي في آن. فبمعنى آخر أن قصيدة النثر جاءت أكثر شمولية وانفتاحا عن سابقاتها، ولو أننا لا ننفي عن قصيدة الوزن والتفعيلة معاصرتهما وتجددهما. فبالتوازي يحقق الشاعر الإيقاع الذي لا يحققه به التفعيلات، يُحققه باللغة. وقد حدد ر. جاكوبسون خصائص التوازي في أنه عبارة عن تأليف ثنائي يقوم على أساس التماثل الذي لا يعني التطابق.

استطاعت الشاعرة عبر التوازي أن تخلق لقصائده داخل ديوان «أسبق النهر بخطوة» نوعا من الإيقاع الداخلي والصوتي. فإن التوازي أو التكرار الصوتي شكل أساسي داخل البناء الشعري، لما يقدمه من نفذ إلى عاطفة وحواس المتلقي. ويدخل القصيدة في تدوير حلزوني كأنما القصيدة تعيد نفسها بشكل مغاير.

ففي قصيدة «الياسمين.. ظلّهم» ، تحضر عبارة «لم فعل كان في المضارع» (لم تكن؛ لم نكن؛ لم يكن) متكررة بين مقاطع القصيدة مما يوّلد نوعا من الإيقاع والنقل بين ككل مقطع ومقطع. كما هو الأمر في قصيدة «حجر على وجه الماء»، إذ تجعل عبارة «كنت أخشى أن+ فعل المضارع بصيغة المتكلّم أو المخاطَب» القصيدة تدخل في إيقاع حلزوني «كنت أخشى أن ألتقيك؛ كنت أخشى أن أسقط؛ كنت أخشى أن تتركني؛ كنتُ أخشى أن لا أضيء». كما هو الحال في قصيدة «شيخ الظلال»، عبر تكرار كلمة «ظلي» في بداية كل مقطع من القصيدة.

وفي قصيدة «تمني»، تحضر لفظة «عاريا» متبوعةً بفعل مضارعة، لتقدّم للقصيدة نوعا من التوازي العمودي، في ثلاثة أبيات متتالية: – عارياً، يعمّدني ضوء الصباح /عارّيا، يراقصني المطر /عاريا، تمشيني الطرقات.

فالتوازي يمنح القصيدة نوعا من الهندسة والبناء الجمالي للقصيدة، ونوعا من التحسين للقول الشعري. فالتوازي أيضا يساهم في إغناء الطاقة التخييلية للشعر. وعندما تتردد عناصر هذا الانسجام الصوتي، بصورة كلية أو جزئية ، وتكون متوازنة في إيقاعها ومتماثلة في بنيتها الشكلية نسميها التوازي الصوتي، ونلحظ هذا النوع من التوازي داخل قصيدة «موت الشعراء»:»من سراب المرايا / من أوطان غائبة / من حريات شائبة / من شعوب خائبة».

إن قصيدة فدوى الزياني المتأملة للموت عبر شاعرية تنحل من الفلسفي والبلاغي، يحضر فيها ضمير المتكلم (جمعا ومفردا) مما يجعل منها نابعة بقوة من الذات الكاتبة ومعبّرة عنها وعما تفكّر فيه وتبتغي القول عنه شعريا، فضمير المتكلم يلزم الكاتب بالضرورة أن يصير نصه داخل نسق سردي، مما يطبع على الديوان روحا شعرية ترواح ذاتها بين الشعر والسرد، في تداخل شعري سردي. وليست القصيدة عند هذه الشاعرة إلا نوع من القول الفائض عن اللزوم بما معناه الجمالي عند ابن عربي، إذ يرى أن جمالية الكون فائضة عن اللزوم مما يهبها عظمتها، وهذا الفيضان يهب الشعر عند فدوى الزياني جمالياته الشعرية المتفردة داخل النسق الشعري المغربي والعربي.

عزالدين بوركة – كاتب مغربي

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز

في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *