تعرف مناطق الجنوب الشرقي للملكة خلال السنوات الأخيرة إنتعاشا اقتصاديا و رواجا تجاريا نتيجة دخول زراعات جديدة لم تكن ضمن مزروعات الفلاحين بالمنطقة ، و مما ساهم في انتشار هذه الأنشطة الفلاحية برنامج المغرب الأخضر الذي وجد فيه الفلاح تخفيفا و دعما مهما يسد الجزء الاكبر من المصاريف التي أثقلت كاهله .
هذا الدعم استغل استغلالا بشعا حيث فتح المجال أمام المضاربين و سماسرة المنتوجات الفلاحية للوصول و الاستيلاء على كل المحاصيل و تشجيع الفلاحين على زراعة البطيخ الأحمر الذي انتشر بشكل مهول ، كما أن مناخ المنطقة الحار يساعد على انتاج هذه الفاكهة في مدة وجيزة .
زراعة البطيخ الأحمر جاءت على حساب بعض الزراعات المعيشية المعروفة كالحناء و التمر ، حيث وجد الفلاح في الزراعة البديلة سبيلا للربح السريع مقابل ما كان يجنيه مرة في السنة بالنسبة للتمور و اربع مرات من الحناء ، و بالكاد يصل إلى تسديد مصاريف متطلباتها مع الارتفاع الصارخ للأسمدة و الأدوية و اليد العاملة التي تتطلبها زراعة الحناء .
بالمقابل الربح السريع الذي توفره زراعة البطيخ الأحمر لها من السلبيات و العواقب ما لم يعي به الفلاح المحلي بعد ، هذه ” الآفة ” التي دفعت و ساهمت بشكل كبير إلى عودة عائلات و أسر بأكملها إلى المنطقة بعد أن غادرتها لعقود من الزمن لتجد في الهجرة المعاكسة و في العودة إلى الأصل ملاذا لتأمين مداخيل محترمة و محفزة جدا .
عودة السكان جاءت طمعا و جشعا و ليس حبا و خدمة لمسقط الرأس حيث الكل يساهم في دمار هذه المنطقة بكل ما تحمل كلمة الدمار من معنى ، أسمدة كيميائية تقتل التربة بعد فترة من الزمن و زراعة تستنزف الفرشة المائية بشكل فظيع ، و قد بدأت مؤشرات في هذا الصدد تنذر بعطش الساكنة و نزول الفرشة المائية بدرجة كبيرة حيث كثرة الآبار و عمقها يؤشران بقرب كارثة نذرة المياه مما قد يتسبب في موت البشر كما ماتت واحات النخيل التى فقدت ظلها.
إن البرامج المتعددة التي اتخذتها الدولة في القطاع الفلاحي تشوبها الكثير من النواقص و تغيب عنها الحكامة الجيدة و التدبير المعقلن في بلورتها ، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسطر برنامجا لإنقاذ الواحات بميزانية ضخمة و تسخر جزءه الأكبر لاستصلاح السواقي و الخطارات في منطقة كمدينة طاطا المعروفة بنذرة التساقطات المطرية و انتشار حفر الآبار بشكل فادح في غياب تام للمؤسسات المكلفة بتتبع و مواكبة احترام القوانين المنظمة للزراعة و استغلال الأراضي الفلاحية .
غياب الوعي لدى الفلاح تتحمل هذه المؤسسات جزءا كبيرا منه ، حيث لا يكفي توفير الدعم أو بناء مستودع تبريد و تعليب التمور في منطقة لا تكاد تغطي متطلبات السوق المحلية من هذه المادة بفعل سنوات الجفاف المتتالية و الأمراض التي أصابت واحة فم زكيد أكبر دليل يستلزم أخذ المحيطة و دق ناقوس الخطر لإنقاذ ما بقي من أشجار النخيل و توفير الوسائل الكفيلة بالمحافظة على توازنها الإيكولوجي الذي تلعب الواحة الدور المحوري لتوفيره .
إن الأرباح الطائلة التي يجنيها الفلاح اليوم من خلال استغلاله للأراضي السلالية قد تبدو للساكنة أنها صمام أمان و نعمة أنقذتها من براثن الفقر و الحاجة في حين أن الأرباح مؤقتة و نقمة على مستقبل المنطقة برمتها و إن عادت اليوم عشرات الأسر من المدن فستهاجر غدا مئات إن لم تكن هجرة جماعية .
فمن سنسائل حينها إن كنا اليوم نشارك في دمارها الشامل ؟
ذ: محمد الباز