… السيد العامل، أكيد أنكم لا تعرفون السيدة فاطمة المعروفة بـ “الوشاحية”، والتي تقطن بدوار ولاد العشاب والتي رافقت المغاربة الذين شاركوا في المسيرة الخضراء، والسيدة تودة، طبعا، بدون عمل ولا مُعيل.
والمؤكد كذلك أنكم لا تعرفون رجلا إسمه أحمد الموساوي بن علي، وهو يقطن بتنسيطة خشاع، كما أنكم لم تسمعوا قط بشخص إسمه “موح” من دوار الحارة قرب دوار تمجوط وهو رجل ضرير ووحيد عائلته، وهناك محمد بن حدة ابن سعيد الذي يعيش حاليا بتازارين بعدما قضى زهرة عمره في منطقة أخرى بإقليم زاكورة يعمل لدى الفلاحين الصغار مقابل دراهمين و”المُونَا” أي وجبة واحدة في اليوم.
فجأة رن هاتفي الشخصي، فلم أتردد في إغلاقه، فواصلت الحديث:
… هؤلاء من بين العشرات من أبناء إقليم زاكورة الذين يعيشون وضعا إنسانيا جد صعب، بينهم من يعتمد في معيشته على صدقات الجيران وعطف “لْجْواد”، فَـ “سي موح” رجل لا يعرف الناس أهله ولا أصله، وهو شبه فاقد للذاكرة حاليا، غير أن ذاكرة الناس ستحتفظ بقصة حياته وحياة الآخرين، الصعبة، التي ستحمل عناوين ” تْخلاّو عليا”.
- العامل الصمودي: اوك، وشنو المقترح أو الفكرة؟
في العيد أو في المناسبات الدينية التي أنعم بها الله علينا، وبحركة بسيطة منكم أ سي الصمودي أنتم وَجِهات أخرى سنقترحها عليكم، يمكن أن تزرعوا الفرحة في نفوس هؤلاء، ومن خلالهم في نفوس عشرات الأسر التي ستشعر بأن ممثل الملِك بمنطقتهم يهتم بهم.
هؤلاء يحتاجون إلى من يزورهم، يحتاجون إلى من يسلمهم بطانيات يحاربون بها هذا البرد القارس، أو ثلاجة صغيرة لتبريد الماء في حر صيف زاكورة، أو مبلغا ولو متواضعا، ليستعينوا به على قساوة الظروف، يحتاجون إلى من يبتسم في وجوههم في وقت قسَت عليهم الحياة، يحتاجون إلى “جِسْتْ” من السيد العامل.
ململ العامل رأسه من جديد، مُمعنا النظر في عيني ومعاني الكلمات والجمل التي أحاول ترتيبها بدقة.
أقسم أن زيارة بسيطة من عامل عمالة زاكورة لـ “الوشاحية” بدوار ولاد العشاب، مثلا، وبعيدا عن المنتخبين وغيرهم من الذين يركبون على المبادرات الإنسانية من أجل أهداف براكماتية خسيسة، ستجعل دواوير جماعة الروحا بكاملها تعيش عرسا رمزيا بدون شك.
ظل العامل عبد الغني الصمودي مُركزا فيما أقول، وبين الفينة والأخرى يململ رأسه إلى أعلى ثم أسفل بشكل متكرر، دون أن ينطق بكلمة، ويظهر على قسمات وجهه أنه يصغي بإمعان لما أقول.
- العامل الصمودي: سي يونس، كلامك على صواب.
تابعتُ الكلام بحماسة حِيثْ عْجْبْنِي الحال: “سمح ليا نقول ليكم أن” هناك أمور بسيطة يمكن أن تقوموا بها في إقليم زاكورة، ستربحون من خلالها نقاط مهمة، ستتقربون إلى الناس وإلى همومهم أكثر…
لدينا فاعلين اقتصاديين أُقسم أنهم سيكونون مستعدين لدعم مثل هذه المبادرات، وأعرف أنهم يقومون بذلك في مناطق مختلفة (بشكل شخصي، وأغلبهم بدون أهداف سياسوية)، ولن يترددوا في دعم مبادرة إنسانية منظمة في الإقليم.
سيدي العامل، لا أحتاج لأخبركم عن رجل أعمال وفاعل اقتصادي قوي في المغرب من أبناء زاكورة، إسمه يشو أوحدو المعروف بكرمه وسخائه مع الناس. والمؤكد أنكم تعرفون فاعلا اقتصاديا بدأ من الصفر بقرية تافراوت المحاذية لبني زولي هو التافراوي “المدني وْلْحْسن”، ومَن مِن ساكنة زاكورة ومسؤوليها لا يعرف الناصري سعيد الذي يرأس أحد أقوى الأندية الرياضية بالمغرب، والذي يمثل زاكورة في البرلمان. وهناك رجل اسمه ابراهيم الغزالي من دوار بوخلال، وهو صاحب شركة نشيطة متخصصة في الحدائق…
وهناك أسماء كثيرة يعرفها أبناء زاكورة والمسؤولون المحليون والمنتخبون وغيرهم، ويعرفون أن أغلبهم لن يتردد في دعم مبادرة تُطلق عليها زاكورة “حْنا خّوت”، وترسم ابتسامة على وجوه أنهكها الزمن وتسلل إليها الحزن أو الشيخوخة أو علامات التيه والضياع.
في هذا الوقت، كانت المقهى قد امتلأت بالأسر الصغيرة وبعض الأشخاص، يظهر عليهم الوقار، وبعدما جلت بنظري في أجواء المقهى واصلت الكلام:
… نتوما أ السيد العامل، لديكم كل الإمكانات للقيام بمثل هذه المبادرات التي لن تتطلب منكم شخصيا أكثر من إعطاء أمر لبعض مسؤولي عمالة زاكورة بجمع معلومات “حالات إنسانية”، والاقتداء بملك البلاد الذي يقوم بمبادرات لدعم أسر وأرامل ومحتاجين ومعاقين وأشخاص لهم فضل على منطقتهم وكان مآلهم النسيان و”الظلم”.
سيدي العامل، أرجو أن تتذكروا أن هناك من أبناء إقليم زاكورة الآن من يتجولون بالشوارع ليل نهار وهم في حالة خاصة جدا، لأن السلطات تخلت عنهم، ولأن المجتمع لم يرحمهم، هناك عدد كبير من المختلين عقليا يتجولون بأكدز وهناك البعض منهم بأحياء زاكورة.
ومصالح الأمن و”المقدّم” و”القايد” أ السيد العامل كلهم يعرفون من يكون “حْمَاد السارتي”، وعدد كبير من أمثاله، الذين هم في حاجة إلى مستشفى للأمراض العقلية يليق بهم، ومتابعة نفسية تقيهم من سب وشتم وعنف الناس، وبرد الشتاء القارس بزاكورة وحرارة الصيف وعطشه.
هذا كله، يمكن القيام به بالموازاة مع مشاريع ومبادرات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي سيكون لنا حولها رأي وكلام.
تذكير: “هذا حوار متخيل وغير حقيقي، نستهدف من خلاله تسليط الضوء على ملفات هامة بإقليم زاكورة، وتقديم صورة ونظرة حقيقة “بلا بروتوكول” حولها، ومقترحات حلول لبعض المشاكل”.