لحسن ايت ياسين – رئيس نادي الهامش القصصي.
عندما كنت في المرحلة الإبتدائية، المدرسة هي الوحيدة القادرة على منعي من ممارسة أحلى هواياتي، الركض تحت المطر. عندما تكون السماء ملبدة بالغيوم الكثيفة موحية بأن المطر قادم ونحن داخل الفصل، أبدأ بالشرود تدريجيا وأنتظر … ترى هل ستمطر؟ حتى أسمع وقع القطرات الأولى على السقف القصديري، كلما ازداد إيقاعها أحس أن دقات قلبي تتسارع. تتسرب رائحة التراب الندية عبر أنفي ،تسري في جسدي لتنتابني حالة من الهيجان الداخلي كثور الكوريدا عندما يشم رائحة الدم.
أتململ في مكاني، أفرك أصابعي، أحسب إلى العشرة، إلى المئة، و أعاود العد من جديد دون جدوى و عقارب الساعة الحائطيةلا تتحرك. أطل من النافذة خلسة عندما ينشغل المعلم بالكتابة على السبورة. أرى أن أرض الساحة تزينت بالبني القاني. عندها أفقد صبري و أطلب من المعلم الخروج للذهاب إلى المرحاض، أخرج مسرعا كأن لي جناحان أجري لأقطع الساحة طولا و عرضا والقطرات تجلد جسدي النحيل، أمسك أغصان الأشجار، أحركها لتسقط القطرات العالقة فوق أوراقها على وجهي لأغتسل أكثر فأكثر…
أخرج من المدرسة راكضا، أضم محفظتي إلى صدري، أضعها في درج المنزل، أنزع حذائي البلاستيكي و أنطلق حافيا تحت المطر، لا شيء يستطيع إيقافي. أجري بين أزقة السوق القديم الذي كان قلبا نابضا للمدينة أنذاك، أمر عبر زاوية البركة و السويقة و سينما السلامة ﻷرى إعلانات الأفلام وقد تبللت و تكرشت…أواصل التجوال و التحليق في عوالمي في لعبة لا تعرف التوقف ولا التعب غير آبه بالجوع متمعنا في وجوه الناس التي يملأها الفرح و الرضى.
بعد صلاة العشاء أعود للمنزل، تقوم أمي بمعاتبتي وهي تغير ملابسي مع أنها تعرف أن لا فائدة من ذلك، ثم ألف حولي غطاء، أقترب من المجمرلأتدفأ قليلا ، أحتسي كأس شاي بالشيبة ولا شيء يشغلني: ترى هل ستمطر غدا؟ ﻷعاود المغامرة التي لا تعرف التوقف إلا بظهور الشمس….
الآن وبعد هذه السنوات الطوال عندما تمطر أصعد إلى السطح أو أخرج ماشيا لتنتابني الرغبة في أن أجري حافيا ثم أعدل عن الفكرة حتى لا أنعث بالجنون، ﻷن لا شيء يغسلني إلا مطر زاكورة.
عندما أكون رفقة تلامذتي في القسم أمنحهم استراحة مطرية استثائية تلبية لعيونهم الشاردة و للطفل عاشق المطر الذي لازال يسكنني ﻷن للمطر طعم آخر في مدينتي- زاكورة-