تنطوي دراسة السياسة الجزائرية على شيءٍ ما من علم دراسة الزلازل. لا يوجد شك في أنَّ هناك بركاناً كامناً؛ إذ تؤكد ذلك الأعداد الكبيرة من الشباب العاطلين عن العمل. وحتى إذا كان غضبهم ساكناً حتى الآن، فلا يوجد سبب للشعور بالرضا عن الوضع الراهن. يمكن أن ينفجر الغضب في نهاية المطاف، لكن يصعب التنبؤ بالتوقيت والكيفية.
وحسب تقرير صحيفة The Financial Times البريطانية، استطاع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على مدار ما يقرب من 20 عاماً الحفاظ على رئاسة نظام مبهم وقمعي، والذي صادف أن يكون مورّداً أساسياً للطاقة بالنسبة لأوروبا. كان بوتفليقة بالفعل يمثَّل شيئاً من بقايا سنوات ما بعد الاستقلال عندما أصبح رئيساً عام 1999. حظي بعد ذلك بثقة الرأي العام لمساعدته في وضع حد لحرب أهلية استمرت على مدى ما يقرب من عقد من الزمان، بالإضافة إلى تحقيق قدرٍ من المصالحة الوطنية. لكنَّه أصبح عاجزاً جسدياً منذ تعرُّضه لسكتةٍ دماغية قبل 5 سنوات، ونادراً ما يُشاهد علناً ولم يتحدث قط.
وظهر بوتفليقة جالساً على كرسي متحرك في آخر جولاته مؤخراً، يُحدِّق في الفراغ، وبدا ضعيفاً واهِناً بشكلٍ قاطع. ومع ذلك، يبدو أن الزمرة السرية المُتحفِّظة الملتفة حوله عازمة على طرحه في هذه الحالة الصحية المُعتلَّة للغاية للترشُّح كرئيس لفترة ولاية خامسة مدتها 5 سنوات في الانتخابات المقرر عقدها في يناير. ولن يمكن وصف ذلك إلا باعتباره استهانةً واحتقاراً (بالتعبير الجزائري Hogra) من جانب النخبة للشعب الجزائري.
وعانت الجزائر من مآسٍ كثيرة. يجب أن تكون البلاد مزدهرة بفضل ما تمتلكه من موارد طبيعية غزيرة، ومناظر طبيعية خلَّابة، وقوى عاملة ديناميكية وشابة. كذلك، يُمكن أن تساعد السياحة في تنويع الاقتصاد الجزائري بعيداً عن الاعتماد على أموال النفط، مما يوفر على الأقل بعض الوظائف التي يتوق إليها الشباب.
لكن، كما في كل مكان آخر، حوَّلت عائدات النفط والغاز الجزائر إلى دولة ريعية. يتفاقم الركود الاقتصادي نتيجة الشلل السياسي، الذي بدأ منذ نهاية فترة التسعينيات المُظلِمة، عندما تسبب إلغاء نتائج أول انتخابات حرة نزيهة في اندلاع حرب وحشية بين الإسلاميين والجيش.
وربما ساعدت تلك الذكريات حديثة العهد لهذه الأهوال في تفادي اندلاع اضطرابات بالجزائر في عام 2011، عندما انتفض السكان في جميع أنحاء العالم العربي ضد حُكَّامهم الاستبداديين. في هذه الأثناء، أصبحت الحكومة الجزائرية حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة الأميركية في المعركة ضد التطرُّف وظلَّت أيضاً مورداً للطاقة موثوقاً به. وأثبتت قوتها أيضاً في تحليلها للشؤون الإقليمية؛ إذ عارضت الجزائر بشدة التدخل الغربي في ليبيا بمعرفتها أنَّ انهيار نظام معمر القذافي قد يؤدي إلى الفوضى، وقد عارضت أيضاً المقترحات الأوروبية لتطويق المهاجرين الأفارقة على ساحل شمال إفريقيا.
ويؤجل التمسُّك ببقاء بوتفليقة رئيساً صورياً، والذي سيُصدَّق عليه لولاية رئاسية خامسة في انتخابات لا تستحق تسميتها بانتخابات، ما يمكن أن يكون معركة خلافة خطيرة. وستكون الحكومات الغربية قصيرة النظر لتعتقد أنَّ الاستقرار الذي قد ترأسه هو أي شيء آخر سوى استقرار هشّ، بالنظر إلى وضعه الصحي الحالي. كذلك، فإنَّ الانخفاض الحاد الجديد في أسعار الطاقة من شأنه أن يدفع الاقتصاد إلى أزمة، الأمر الذي يختبر قدرة النظام على شراء السلام.
علاوة على ذلك، ما مِن أحدٍ في الجزائر ينخدع في اعتقاده بأنَّ الرئيس بوضعه الصحي الحالي ما هو إلا رئيس صوري لشخصيات غامضة تحيط به، هي التي تدير حقاً شؤون الدولة. من خلال ترشُّح رئيس غائب لخوض الانتخابات في وقتٍ الأمة فيه بحاجةٍ ماسة إلى تجديد شبابها، فإنهم يبعثون برسالة ساخرة للجزائريين مفادها أنَّ آمالهم وإحباطاتهم لا تهمّ.