على هامش مهرجان “دولي” أقيم مؤخرا في مدينة زاكورة كنت أحضر إحدى فعالياته و أثناء لحظة استراحة بين عروضه تفاجأت عندما تسللت إلى أذني كلمات من حديث هاتفي بين شخصين… جاء جواب أحدهما كالتالي ” و تّا راه صيفطو لصﯕع لزاكورة “!!! استفزتني هذه الجملة… فهمت من بقية الكلام أن أحد معارفهما و الذي بدوره يعمل في سلك الوظيفة العمومية “دار شي زبلة ” و عقابا له أرسل به إلى زاكورة!!!.
قصة هذه المدينة الهادئة الجميلة ( ممكن أن يراها البعض و منهم أبناؤها غير ذلك، حسب النظارات التي يرتديها كل منهم و التي يتداخل فيها المستوى التعليمي و الثقافي و السيكولوجي أيضا ) قصتها مع التهميش قصة طويلة جدا، بدأت مع الاستعمار و مفهوم “المغرب الغير النافع ” ليأتي للاستقلال و يكرس الصورة أكثر.
في الدول التي تحترم الإنسان و تعتبره الثروة الأولى فإن السياسة التأديبية و التحفيزية تقام على سلم الأجور و التراتبية سواء صعودا أو نزولا إلا عندنا “لي كْحْلها” فزكوراة تتكفل به كما لو أنها قطعة من الجحيم، هذه المدينة التي تتربع على أكبر إقليم في البلد، و التي تزود الوطن هي و نواحيها بأكثر من 42 في المئة من إنتاجه الكل من التمور، بالاضافة إلى البطيخ الأحمر و هو جديد على المنطقة بالطريقة التسويقية لا المعيشية يعد من أجود الأصناف في العالم، أما رأس مالها اللامادي و مؤهلاتها السياحية فحدث و لا حرج… كل هذه المميزات و غيرها الكثير لم تشفع لهذه البقعة الجغرافية لتوضع على سبورة الدولة للتنمية.
المفارقة الغريبة و المبكية أيضا أن إقليم زاكورة تضرر من ما استفادت منه باقي الأقاليم و هو سياسة السدود هذه الاستراتيجية التي أحيت باقي المناطق دمرت هذه المنطقة، اجهضت أحلامها… كيف؟؟؟…… تمعنوا هذه القصة جيّدا و بعدها نعود إلى زاكورة، (المصدر:the Elephant and the Dragon ).
“في عام 1949 أعلن الرئيس ماو قيام جمهورية الصين الشعبية، و لأنها بلد فلاحي فقد دارت الشيوعية عن الفلاحين، أقدم ماو على تشكيل المزارع الجماعية و هي عبارة عن تعاونيات فلاحية و شكل منها كوميونات تضم كل كوميونة حولي عشرة آلاف نسمة، وتولى إداريو الحزب الشيوعي إبلاغ الفلاحين أي المحاصيل يزرعون وكان مطلوبا منهم أن يسلموا للدولة نحو ثلث ما أنتجته الكوميونة من حبوب كضريبة تستخدمها الدولة لإطعام المدن وترك الباقي لغداء الكوميونة، بيد أن الموظفين المسؤولين عن الإقليم بلغ بهم الجموح والتهور حدا جعلهم يكتبون تقارير تؤكد تضخم إنتاج الحبوب في مناطقهم، وتنافسوا فيما بينهم بغية إدخال السرور على نفس ماو، وأن يؤكدوا له أن نظامه الخاص بالمزارع الجماعية حقق نجاحا باهرا، وفازت كوادر الحزب بالمديح و الثناء، لكن قرارهم هذا أدى إلى مضاعفة ضرائب الحبوب المطلوب تسليمها عن غلة متخيلة يتجاوز حجمها الواقع الفعلي، ونتيجة لذالك دفعت الكوميونة كل حصادها من الحبوب وسلمته إلى الدولة ووقعت الكوميونة فريسة للمجاعة”.
العبرة التي نستخلصها من هذه القصة هي التضليل بغية الحصول على الرضى، نفس الشيئ عندنا، بما أن الحسن الثاني رحمه الله جاء بسياسة السدود و أثبتت نجاحها في مختلف المناطق فيجب أن تنجح في زاكورة أيضا دون مراعات خصوصية المنطقة… هكذا تم الأمر قامت السلطات المحلية، و ممثل الغرفة الفلاحية و أعيان المنطقة و ممثلوا القبائل و الشيوخ بحفل جمع توقيعات، أكلوا من ما لذى و طاب، غنّت فِرَقْ فلكلور المنطقة لخيرات الأرض و للخضرة و الوجه الحسن وهم لا يذرون أن ما يحتفلون به سَيُحَوِّلُ كل ما غنوا للأجله إلى ذكرى من الماضي.
وصلت الرسالة… سكان مدينة زاكورة يباركون المشروع المولوي العظيم، و يؤكدون أن إقامة السد سَيَحُولُ بينهم و بين الفيضانات و يصلح أراضيهم الزراعية التي تحولت إلى بحيرات!!! بسبب المياه كما لو كنا على ضفاف نهر من أنهار المناطق الاستوائية و ليس في منطقة تعرف شح التساقطات بل تنعدم أحيانا.
نعم هكذا تم الأمر… توقفت منابع وادي درعة عن النبض، ذهب نقيق الضفادع، اختفت مساحات القصب و البردي فاسحة المجال للسراب، غاب “نْوادْر لْقمح ولْكيكْر” معلنا عن بدء موسم الهجرة إلى الشمال، تحول الفلاحون في أخير العمر تحت ضغط “طرف ديال لخبز” إلى عمال في ورشات البناء… و بدأت صفحة أخرى من تاريخ زاكورة تكتب.
هنالك الكثير من أوجه التهميش الأخرى التي كان السد سبب مباشر أو غير مباشر فيها و بالتالي تحاشيت الخوض فيها عمدا لا نسيانا، لا يختلف إثنين عن أهمية السدود لكن زاكورة تحتاج إلى أخد خصوصية مناخ المنطقة بعين الاعتبار، تحتاج معادلة يكون طرفيها استدامة جريان وادي درعة من جهة و الاستفادة من كافة جوانب السد من جهة أخرى، إذا عجزنا عن تحقيق هذه المعادلة فالأولوية لطرفها الأول، لا الثاني على حساب الأول.
دمتم أوفياء للتساؤل
محسن الحمداوي