السبت , مارس 15 2025

زاكورة محاولة عيش فاشلة

محمد الزياني

هناك من وراء الجبال بالجنوب الشرقي للمغرب توجد مدينة زاكورة، تتشارك مع ورزازات -التي لا تبعد عنها إلا ب160 كيلومتر- في الجغرافيا  و المناخ و السكان غير أنها لا تقتسم معاناتها مع أحد، منذ وقت طويل كان لهذه المدينة محاولات عيش، لكن قسوة المناخ و البشر تحول دوما دون ذلك. هناك من وراء الجبال حيث المطر لا يسقط إلا قليلا جدا، الشمس تحارب كل يوم حتى لا تغيب، في صيفها يغادر الجميع و لا تبقى غير الحجارة تقريبا تنشد شعارات الصمود التى يرددها الرفاق عادة في السجون. سكان هذه المدينة تكيفوا مع قسوة المناخ، هم في طريق التكيف مع قسوة و تعسف البشر و التقسيم الإداري الجديد ضمن جهة الفقر و التسول الجديدة  –جهة درعة تافيلالت- بالرغم من أن انتماء المدينة لجميع الجهات السابقة لم يزدها إلا معاناة التهميش و النسيان. بزاكورة التي تأن من أوجاع الزمان يقطن أزيد من  307306 نسمة  وفق الإحصاء الجديد للسكان 2014، بلغت نسبة سكان المجال الحضري منهم 16.51 في المائة، هذا لو صح فعلا القول بمجال حضري في هذا الهامش القصي من البلاد. يعيش سكان الواحة في الغالب على الفلاحة  المعشية البسيطة، خاصة منها إنتاج التمر بجودة لأبأس بها ، أما غير ذلك فالكل يهاجر نحو المدن الكبرى ، خاصة الدار البيضاء ، مراكش … سكانها خليط متجانس بين الامازيغ و العرب  يتقاسمون عوز الحياة و قسوتها. كل هذا ربما من فعل الطبيعة لكن قسوة البشر أشد وطأة على المواطن لو صح تسميته كذلك، فلا طرق تصل بك إلى هناك دون تعب و دوران فوق قمم الجبال كأنك في رحلة لكوكب أخر غير الأرض. تشكي كل يوم هذه المدينة التهميش و العوز دون استجابة من أحد، فقدت من أبناءها الكثير في طرق تيشكا، أيت ساون …غير أن قلة حيلة الدولة و أموالها تجعل  مطالب هذه المدينة في هامش الأولويات الحكومية، على مستوى الصحة لا تكاد المدينة نهض من كارثة حتى تسقط في أخرى، فإحساس سكانها قاطع و موثوق منه أنها لا تتوفر على مستشفى و لا طبيب يداوى الجراح هناك، لدرجة أن أغلب أبناء زاكورة تمت ولادتهم بمستشفيات ورزازات و مراكش…هذا إن لم يمت إلى جانب أمه داخل سيارة إسعاف لا تستحق هذا الاسم لأنها في الحقيقة سيارة نقل الموتى، ضعف الطالب لكن المطلوب هو الأخر يفضل التظاهر بالضعف، فحتى شهادة الضعف التي يستحقها أغلب من يسكن المدينة تم منعها قانونيا ظنا منهم أن سكان زاكورة هم سكان طنجة و الرباط. في مدينة الأشباح لا عيادة لطبيب تستحق الاسم فعلا، لا طبيب للأطفال لا مولدة نساء، لا دواء. هناك في زاكورة لا ماء يصلح للشرب بل للوضوء لان رائحته و لونه يبعث على السخرية، صحراء تصدر أخر ما تبقى من ماء ها  الصالح للشرب في علب دائرية خضراء، هو في الحقيقة وباء سيقضي على أخر ما تبقى في عروقها من دماء. فليحذر المستهلك أنه يشرب من دم اليتامى و الفقراء و ابن السبيل… أما أحدهم  ( مسؤول غير مسؤول) يقول لنا لا تخافوا سيسقط الله المطر كل شيء بيد الله، لكن المطر لم يسقط هذه السنة و نحن مازلنا ننتظر تحقق نبوءة هذا المسؤول المشؤوم. في مدينة الأشباح عربات الدولة الأنيقة أغلى من إنجازاتها هناك، حيث لا سلاح للمواطن- إن صح تسميته كذلك-   إلا الصبر و الدعاء و الانتظار، لا قدرة على نهي المنكر إلا في نفسه و ذلك قليل ما يحدث، هناك لا أحد تفوق حركته حركة الشرطة والمقدمين، الشيوخ ( ليسوا شيوخ الدين آو الطرق الصوفية أو حتى مذكر شيخات الاحواش التي تعرف بها المنطقة).

كلما حاولت زاكورة العيش تفشل، مدينة أصابتها الشيخوخة و اجتمعت عليها كل طفيليات هذا الوطن تمتص أخر قطرات دما، عجوز هجرها حتى الأبناء و لا دار شيوخ تقبل استقبالها، بعض الرغيف كان دوما مطلبها و ماء يصلح كي يشربه أبناء أدم، الجميل في القصة أنها لا تيأس أبدا في كل فشل تنهض من جديد تلملم جراحاتها في محلات العطارين لأنه لا مستشفي هناك لمعالجة الجسد، تكمل ما تبقى لها من العلاج النفسي بين جدران الأولياء و الصالحين فلا طبيب للنفس يزورها، تعود من جديد في محاولة أخرى للعيش، تخالها تضحك و تبتسم من جديد غير أنها تبكي من جراء الألم و محاولات العيش الفاشلة باستمرار.

السياسة في كل بقاع العالم فن تدبير – إلا في زاكورة السياسة فن تدمير-  و تسيير شؤون الأفراد للانتقال بهم إلى غذ أفضل، هناك بين جبال مدينة الأشباح فن التفرقة و الصراع، بل هي أداة لتبرير الكذب و الهراء حيث البسطاء تعودا على تصديق كل شيء قادم من الأخر، فقد فطروا على احترام و تصديق الآخر،  في زاكورة يبرر كل شيء بل يصبح الصبر وسيلة ناجعة لتبرير التهميش و فشل سياسة الدولة في تدبير و تحسين شؤون المواطنين، هناك قد لا تربطك بهم علاقة دم أو قرابة فتدخل بيتهم و تأخذ كل شيء بما فيها الأبناء، لن يكتشفوا الأمر إلا صباحا وقت إعداد الحريرة عند اقتراب وقت المدرسة ( هذا لو كانت تستحق هذا الاسم) حيث يصبح فطور الأطفال الحريرة و التمر إن وجد في أحسن الحالات، فقد تصادف أحدهم بعد انتهاء الحصة الصباحية لم يتناول شيء عصافير بطنه تصيح و الأستاذ هو الأخر، مطالبة لهم بإعداد الواجب المنزلي.

هناك من وراء الجبال بعفويتهم قد يحضرون لحفل غناء لطيفة رأفت أو نجاة عتابو رغم أن البيت ليس فيه ماء و لا رغيف حيث لا تمر و لا حريرة – التمر يباع هناك بعشر دراهم لينقل ليباع بمئة درهم للمواطنين في مكان أخر- قد يرددون ” أش داني أو لاش مشيت ” و في المرة التالية يحضرون بأعداد أكبر، في مدينة زاكورة العطش و الجوع سنة مؤكدة،  إذا فرضت على أحدهم لا تسقط عن الآخرين ، هو فرض عين، مع ذلك قد يقبل أهل البلد بتوطين شجرة جاءت من الصين تشع بالأضواء، بل قد يأخذون إلى جانبها الصور، حيث يثرثرون بهذه الشجرة تصبح زاكورة كإسطنبول لكنها في الحقيقة إسطبل، يقبلون بتوطين إسم الله و الوطن و الملك فوق رؤوسهم  بملايين الدراهم على حساب رغيفهم و ماء لا يصلح للشرب، بين الجبال حيث يفرحون يوما في السنة، فكتاب حياتهم الفرح فيه سطرين و الباقي كله معاناة و ألم يومي عدد حبات الرمال التي تتطاير وسط أعينهم كل يوم و ليلة.

في زاكورة السياحة من أجل رؤية الفقر و الإحساس بمعاناة، سكان كل همهم إرضاء الغريب في وعي منهم أن الجزاء يوم الآخرة، قد يأتي من مكان أخر من يسرق مالهم إن وجد و ماءهم و أحلامهم…دون أمل في متابعة يتركون كل تظلماتهم لله يوم الحساب، حيث سيتلذذون هناك بعذاب السيد المسؤول، هناك في زاكورة قد يشاركون في بناء مسجد و المدارس تهدم و المستشفيات تتألم جدرانها، هناك حيث لا أثر للوطن إلا النشيد

و الشرطة( لا دور لها إلا التعسف و التخويف أما الأمن فأفراد البلاد يقومون بالواجب).

هذه الأرض ليست لأحد، لا أحد سيشنق يوما على جدائل نخلها، أهلها دوما يرضعون العار و الشتائم و كذا أرخص أنواع التبغ، في صلب أحلامهم دوما أن يتكرم مسؤول غير مسؤول و ينعم عليهم بقطرة ماء صالح للشرب، رغم أنهم ينعمون و يقدمون الكثير لهم، أخر مكان للقرابين ضمن هذا العالم المتحرر من أخر حصون الخرافة و الأسطورة، هناك خلف الجبال تم نحت أصنام جديدة تعبد بدون عقيدة و لا رسالة. ربما تصدق على هذه الأرض ما قال الماغوط يوما  ” عكازك الذي تتكئ عليه يوجع الإسفلت،  و ألان في الساعة الثالثة من هذا القرن لم يعد تمة ما يفصل جثث الموتى عن أحدية المارة” عصب الحياة يختلط مع أجعة الشمس فلم تعد الدماء تتحرك بداخله ربما قد توقف نهر الدم عن الجريان، غير أن المسكينة هي الوحيدة التي تموت و تعود من جديد للحياة، ملك الموت يخجل من موتها، يسلمها روحها من جديد فتحيا، دون طبيب و لا أنيس يداوي الجراح، فلم  تعد تكفي أكياس العطارين و لا أمل الأولياء.

هناك وراء الجبال حيث الأمل، حيث الإنسان،  البساطة، حيث العيش لأجل الموت، رغم التناقض الذي تطفح به الحياة هناك، تحاول زاكورة العيش من جديد، دون يأس أو ملل تعانق الحياة، لا تحب العيش بين الحرف رغم أن الجبال تحيط بها من كل جانب، ترفض كل أشكال الشفقة و الصدقة لوجه الله، هناك حيث التسكع و البطالة و مقاهي الرصيف استولت على كل شيء، نعاتب الزمن و الطبيعة في زاكورة لكن نسينا أن الإنسان هناك أصل كل عود أبدي إلى الخلف و الموت من جديد، فكم من بلاد لها طبيعة أسوء مما يوجد وراء الجبال في مدينة الأشباح، نعم فلهم مسؤول مسؤول لا مشؤوم، و الواقع أن زاكورة دوما تسعى للحياة ما استطاعت إلى ذلك سبيل، لم يمنعها يوما تكالب المسؤولين و عقوق الأبناء، و جفاء عواطف الوطن، و جفاف السماء، و حرقة شمس الصيف…من كل الأعماق أتمنى لك زاكورة كفاحا مثمرا، و حياة بعيدا عن الألم و المعاناة، فأنت تستحقين الحياة. على أمل حصولك على فرصة للحياة ضمن مدن هذا الوطن، فلتحاولي العيش من جديد…

 

نشر من قبل: منصف بنعيسي

منصف بنعيسي ويبماستر موقع زاكورة نيوز.

ربما أعجبك أيضا

فيديو: بشرى لساكنة هذه المناطق.. تزويد عدد من الجماعات بين أكذر وزاكورة بمياه سد أكذز

في هذا الفيديو، نقدم لكم خبرًا سارًا لسكان المناطق بين أكذر وزاكورة، حيث تم الإعلان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *