مسرحية الرماد:حدث يستحق الالتفاتة

• حدث يستحق الالتفاتة:
بعد صعقات كهربائية متوالية لمدينة أكادير، دفعت أبنائها للاحتجاج والمناداة بالاصلاح، استفاقت المدينة على مهرجان أكادير الدولي للمسرح الجامعي في نسخته 22، ولأن الثقافة قاطرة نحو الاصلاح، ارتأينا في هذا المقام الوقوف عند هذا الحدث، لا بسرد أحداثه المتعاقبة على أيامه الثلاثة، بل الوقوف عند نموذج أعتبره نموذج تتجلى فيه قيمة هذا المهرجان، وما يرشح به من مواضيع ترتقي الى مستوى الابداع؛ الحديث هنا عن مسرحية الرماد المقدمة من طرف المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير التابعة لجامعة ابن زهر، من إخراج المبدع يونس رونا.
قد يعاتبنا شخص – في هذا المقام – تابع المهرجان ويقول كيف يمكن اعتبار هذه المسرحية نموذجا، في ظل حضور مدارس شهد لها عبر التاريخ تجسيد ملحمات في حلبتها من قبيل المسرح الايطالي والاسباني، لأستطرد مسبقا بالقول أن فوز هذه المسرحية بالجائزة الكبرى للمهرجان تسمح لنا بأخدها نموذجا. ويبقى لنا في الاسطر المقبلة أن نقف عند الدافع الذي دفعنا إلى الكتابة عندها.
 مضامين فكرية:
تكمن قوة مسرحية الرماد باعتبارها مادة خصبة للدارس الانثروبولوجي، والمفكر المهتم بالجانب الفلسفي، والناقد المسرحي، وذلك لتوظيفها مجموعة من الاليات لإيصال مضمونها من قبيل: الموسيقى، الرمز، الالوان، واللغة.
حاول يونس رونا من خلال هذه المسرحية الوقوف عند مشكل يضرب بعمق في التاريخ المغربي، ولازال إلى يومنا هذا قائما، الحديث هنا عن الصراع القبلي، وما يعطي لهذا الاشكال طعم خاص، كونه سيتصدى لعلاقة حب بين شابين في مقتبل العمر، كل منهم ينتمي إلى عائلة تتزعم قبيلتها. ولجعل الامر أكثر تراجيديا وأكثرا تقليدا، تقليدا يعبر عن الفكر القبلي، اختار المخرج وسيلة السحر والشعودة كآلية تفرق وتجمع في نفس الوقت؛ تفرق بين حبييبين، وتجمع أشخاصا بعد مدة طويلة فرقهم الثأر.
 أين يكمن الابداع في هذه المسرحية؟
لعل ما أثار انتباهي في هذه المسرحية، هو استلهام المخرج لروح الملحمات اليونانية التي كانت تجمع بين نقيضين ( ديونوزوس، وأبولون ) بنفحة مغربية، تراعي خصوصية المجتمع المغربي، وتتوسل بمفاهيم أنثروبولوجية ( الرأس – الكانون ). كما حاول توظيف اليد كأداة سمحت بانتقال الفنانين بشكل لين في خشبة المسرح، وفتحت مجالا للابداع، إذ شاهد المتتبع كيف أن ” الشوافة ” تتحكم في الجني الخادم من بعيد باستعمال يدها من جهة، وكيفية تحكم الجنية الاخرى في البطل المريض من جهة ثانية. كما استعملت اليد بنسب متفاوتة في بعض الرقصات كنوع من المحاكاة للروح.
 الآلات الموسيقية:
حاول مخرج المسرحية في هذا الجنب المزج بين آلتين مختلفتين في الايقاع ومتكاملتين في المسرحية، إذ نجد ” السنتير ” ( الكمبري ) كآلة موسيقية قريبة من هذا المجال الذي يعرف ب ” الحضرة، السحر الشعودة “. لكن حضورها في هذه المسرحية لعب دور مهم في محاكاة روح الشخصيات التي تحاول التحرر من تلك النفسية المتأزمة والمريضة.
كذلك نجد توظيف آلة ” الباتريك ” ( الطبل ) – وفي هذا مزج بين ما هو تقليدي وما هو حديث – كآلة أضافت نوع من القوة على الحركات في المسرحية ورفعت من إيقاع التجسيد، كما حاولت اضفاء طابع صراعي بين جسد المريض والجن.
 التجسيد:
لعل الامر الذي يثير في هذه المسرحية على المستوى التجسيدي، ويبقى راسخا في ذهن المشاهد، هما صورتان اختارا أن تكون الاولى في بداية المسرحية، والأخرى في ختامها:
 دخول ” الشوافة ” إلى خشبة المسرح بصورة إبداعية، تظهر مساحة الرؤيا لدى المخرج، إذ حاول هذا الاخير تجسيد بعض المقولات الشعبية ” الشوافة هازينها جوادها ” المتداولة داخل هذا الصرح، بصورة تجسيدية رائعة، تظهر كيفية حمل الجني للشوافة ونقلها في المسرح من غير استعمالها، معتمدا كذلك في هذا الجانب على ثوب أحمر يعبر عن جنس من الجني الذي طغى في المسرحية بالإضافة إلى اللون الاسود.
 أما الصورة الاخيرة فهي تحرر البطل من الجنية التي تسكنه، بطريقة تجسد الصراع القوي بين الروح والجني، أدت إلى خروج الجنية شيئا فشيئا من الصورة، بعدما كانوا يظهرون في الاول متلازمان لبعضهم البعض.
 مقاربات النوع:
إذا استثنينا العازفين على الالات الموسيقية، يظهر أن المخرج حاول الحفاظ على مقاربة النوع في المسرحية، إذ نجد أن الادوار انقسمت بين خمسة إناث وخمس ذكور، بل أكثر من ذلك حتى على مستوى القرار، نجد أن زعماء القبائل المتصارعة تراعي لهاته المقاربة، حيث تحكم قبيلة امراة، وقبيلة أخرى رجل.
كل هاته الامور التي حاولنا استعراضها في هذا المقام، خول لمسرحية ” الرماد ” الفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للجامعات في نسخته 22، أمام حضور جامعات وازنة، من قبيل ايطاليا وإسبانيا.

 الكاتب :ياسين بوفري